الدكتور كامل فريد السالك

– (كاتب وباحث سياسي وحقوقي سوري مقيم في لندن)

لماذا الترفيه في السعودية نقلة حضارية تستحق التقدير؟ فقد حافظت المملكة العربية السعودية في كل فترات تاريخها، على القيم الإسلامية والتقاليد العربية المحافظة. وهذا أمر مفهوم بوصفها البلد الذي انطلقت منه رسالة الإسلام إلى العالم، والمكان الذي يحتضن المقدسات الإسلامية.
وربما لا يعرف الكثيرون أن فكرة العروبة بمفهومها الحضاري انطلقت أيضاً من هذا البلد، وهي فكرة حضارية جمعت كل الناطقين بالضاد بدون تمييز. ولهذا كانت المملكة وجهة العرب والمسلمين على مر العصور. وهذا ما عزز ثقافتها المحافظة، والذي وصل في بعض المراحل إلى حد الانغلاق.

نصيب قليل

نقول إن الترفيه في السعودية نقلة حضارية، إذ بقيت النشاطات الفنية والرياضية هامشية في حياتها، بحيث لم تنل الفنون والرياضة إلا نصيباً قليلاً، رغم حرص المملكة على مشاركتها الفعالة في المحافل الفنية والرياضية العالمية، واسهامها المتميز في رفد الثقافة والفن العربي وتقديم فنانين كبار للعالم العربي أمثال طلال مداح ومحمد عبده وناصر القصبي .

نقلة حضارية

ما يسترعي الانتباه في الآونة الأخيرة هذه النقلة الحضارية التي تشهدها المملكة العربية السعودية. نقلة لا تتجسد في النواحي العلمية والتعليمية والنهضة العمرانية فحسب، بل في نشاطات فنية ورياضية ساحرة، شهدتها مدنها. حتى خطفت عاصمتها الرياض وبزمن قياسي ليس فقط سحر بيروت والقاهرة ودمشق وبغداد، بل وأيضا أناقة لندن وباريس ونيويورك.
من كان يصدق أن تشهد المملكة في احتفال رأس السنة الميلادية هذا التجمهر الكبير لنخبة الفنانين والفنانات والمطربين والمطربات في العالم العربي.
ومن كان يصدق أن يرى أهم نجوم السينما والفن في العالم مثل النجم الاسترالي ميل جبسن والاسطورة الهندية أميتاب باتشان والمخرج الأمريكي مايكل باي وهذه الكوكبة من نجوم الفن والسينما والدراما والرياضة والموسيقى، والمتميزين في شتى المجالات، إلى جانب أبرز صناع الترفيه والمحتوى الإعلامي، والمؤثرين الاجتماعيين، وأهل الصحافة والإعلام، والشخصيات العامة وغيرهم. وهم يكرمون في الرياض.
ومن كان يحلم أن يرى اسطورة كرة القدم كريستيانو رونالدو يلعب في نادي النصر السعودي. ومتى كان عشاق كرة القدم من الشعب السعودي يحلمون بمشاهدة أهم نجوم كرة القدم في العالم في ملاعب المملكة.

خطوة مهمة

هذه الخطوة مهمة في الاتجاه الصحيح في الانفتاح والوسطية مع الحفاظ في الوقت نفسه على القيم التقليدية. وهي خطوة تستحق الثناء والتقدير والتشجيع من الجميع. وحبذا لو تتوسع نشاطات هيئة الترفيه لتشمل تكريم رواد العلم في الطب والهندسة واللغة والمعرفة. وأهم من هذا وذاك تشجيع حركة الترجمة إلى اللغة العربية. بحيث يمتد التكريم ليشمل المترجمين و الكتاب والاقلام المتميزة، بما يسهم في تقدم العلم وبث الحياة في حركة الترجمة الى اللغة العربية.

أهمية الترجمة

وهنا يجب التركيز على أهمية الترجمة للغة العربية، وخاصة في ظل الواقع الحالي للعالم العربي. فوضع أهم منتجات الفكر في العالم بمتناول الناطقين بلغة الضاد، أصبح ضرورة ملحة للتقدم ومواكبة العصر.
فكما أن الجمهور الرياضي والفني وهم الأغلبية يستحق الاهتمام وتقديم النشاطات الرياضية والفنية بأعلى مستوى. فإن جمهور العلوم والثقافة يستحق الاهتمام ووضع منتجات العلوم والثقافة في متناولهم وبلغتهم الأم. ولا يخفى دور الترجمة في رفد العلوم والثقافة بالمقومات الضرورية للحياة والنمو والتقدم. فالترجمة من اللغات الاجنبية هي اساس التقدم والنهوض الحضاري والعلمي للمجتمعات.
ولا سيما أن قراءة متانية لتاريخ العرب تبين بوضوح أن المحطات الحضارية المتميزة في تاريخ العرب كانت مسبوقة بحركة ترجمة ناشطة ومحمومة. حتى ان المستشرقين اتفقوا على أن اسهام العرب في الحضارة الانسانية تجلى بشكل متميز وملحوظ في حفاظهم على علوم الحضارات الأخرى. حيث اندثرت أو أحترقت الكتب الأصلية باللغات الأم واحتفظ العرب وحدهم بالترجمات العربية لهذه الكتب القيمة، الذي قام بترجمتها العلماء العرب. وبذلك حافظت العربية على العلوم الانسانية ومنتجات الفكر الانساني من الضياع.

تمنيات

واخيرا تمنياتنا للمملكة العربية السعودية بكل الخير والتوفيق في سياسة الانفتاح الحضاري الملهمة. سياسة تقودها قيادتها الشابة، وبخاصة في الجانب المتعلق بالتركيز على ترفيه الشعب وسعادته. فالترفيه أصبح حاجة ملحة لكل الشعوب، من أجل خلق حالة صحية لتوازن الإنسان. وكذلك وللوقاية من الأمراض النفسية والجسدية في هذا العصر المضطرب الذي نعيش.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *