لندن – جويس منصور:

لوحة للمبدع أندريه كلفيان (Andre Kalfayan) للسوق القديم لمدينة جبيل مسقط رأسه، تنقلك حالًا إلى أجواء ذاك المكان بكل سماته وتفاصيله و”عجقته” وسحره.
وقد اعتنى كلفيان كعادته لإبراز أدق التفاصيل. وقد تكون أرض السوق وتقسيماتها والحصى وأشكاله البارزة، أول ما قد يلفت المشاهد. فيقف على هذه الأحجار متلمسًا إياها بقدميه، فيخال نفسه فعلياً عند مدخل السوق القديم.

عجقة المحلات

ويمتدّ نظر المشاهد على كامل مساحة الأرض التي احتلت وسط اللوحة، وقسمتها إلى قسمين. إلى أن تناديه عجقة المحلات على جانبي الطريق. حيث البضائع المعروضة على الأرصفة، والمتدلية على أبواب المحال. فلا بدّ للزائر من التدقيق بنوعية كل سلعة وحجمها ولونها.
ثمّ ينجذب نظر المشاهد إلى جوانب اللوحة، حيث تفاصيل الأبواب الخشبية المشرعة لتلبية طلبات زبائن السوق. وفوقها تتدلى الخيم التي نالت نصيبها من أشعة الشمس التي لم تبخل على المكان بدفئها شتاء وحرارتها صيفاً.

فسحة الأمل

ومن خلال قماش خيمة وأخرى تظهر السماء الزرقاء حاملة فسحة الأمل المتجددة مع كل شروق.
والمعروف عن كلفيان استعماله لمعدات خاصة كالدبابيس والشفر والمسامير ل”نحت اللوحة” بحسب قوله. وهذا الأمر يبدو جلياً في تماوجات التقنية وضربات الألوان التي غلبت عليها مشتقات اللون البني والألوان الترابية التي تحكي عن دفء المكان وقدمه.
إبداع صارخ في هذه اللوحة، التي قد تبدو وكأنها صورة آلة تصوير، لولا لمسات كلفيان الفنية في تشكيل المادة الزيتة، التي حملت إلى المتلقي ما هو أبعد وأعمق من المشهد الحقيقي. متلمسة مشاعره بأحاسيس من الفرح ممزوجة بالحنين إلى التراث، ودفء مدينة جبيل العريقة وأصالتها.

سوق لا ينام

سوق جبيل القديم من الأسواق المميّزة جدّاً في لبنان، كونه عبارة عن محال تجارية للألبسة، و الحرف، و الأعمال اليدويّة، و التذكارات في النهار، تتحوّل الى مقاه ومطاعم في الليل. فكل ما يباع في أسواق جبيل مصنوع في لبنان. قطع أثرية، وزجاج ملوّن، وحرف فينيقيّة أعيد تصنيعها من جديد. العباءات، و اللوحات، و المنحوتات الخشبيّة. وغيرها الكثير من السلع الفريدة و المميزة. وقد تمّ ترميم الأسواق مؤخراً باستخدام الحجر الرملي، مع الحفاظ على طابعها الحضاري ورونقها العريق. ويقع السوق القديم في قلب المدينة تماماً، و يزوره سنوياً عدد كبير من السائحين من جميع أنحاء العالم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *