
مرجعيون
لندن – حسان حرب:
معروف عن لبنان أنه بلد التنوع والإبداع الفكري والإنساني، حيث تسكنه حوالي 27 طائفة من كل الأديان. لذا لا نبالغ إذا قلنا إنه بلد الرسالة الإنسانية في وقتٍ حاول الكثيرون ويحاولون إبقاءه في مستنقع الحروب والطائفية. ومن بين الرسائل الإنسانية تلك رسالة من مدينة مرجعيون جنوب لبنان التي تختزن في موروثها وبين جناحيها طيفاً واسعاً من المحبة والعيش المشترك.
مرجعيون
مرجعيون ضمن محافظة النبطية، مدينة تاريخية تتميز بوجود سهل زراعي خصب سمي باسمها. ويؤلف المسيحيون الأرثوذكس الغالبية العظمى من سكان البلدة، لكن، هناك أيضاً مسيحيون موارنة وروم ملكيون. والمميز أن المدينة يحميها سور قوي من القرى الشيعية تنتشر في الوديان والجبال المحيطة وبجانب الأنهار والينابيع الصافية. حيث العيش المشترك والمحبة صفتان من صفات القضاء الذي عرف بأنه موطن أدباء ومفكرين وعباقرة ولدوا فيها ونشأوا على صيغة العيش المشترك.
الاهالي يحضرون القناديل والشموع وسط غياب الكهرباء
كما أن القضاء يعتبر مركز الصناعات المنزلية في الجنوب. ففي مرجعيون تصنع أجود “الصوبيات” (المدافئ) التي تعمل على الحطب أو الكهرباء أو المازوت. كما تشتهر بصناعة القناديل التراثية القديمة التي يقبل عليها اللبنانيون كثيراً بسبب الأزمة الاقتصادية المستفحلة وانقطاع التيار الكهربائي المستمر الذي أعاد اللبنانيين الى “زمن الشمعة” من جديد.
جورج جرداق
جدير هنا أن نذكر ابن مرجعيون المفكر والكاتب جورج جرداق رمز العيش المشترك. وهو مؤلف كلمات “هذه ليلتي” لأم كلثوم. كما أنه صاحب أشهر كتاب نال العالمية “الإمام علي … صوت العدالة الإنسانية”. الذي كتبه بأسلوب شاعري قل نظيره والذي ملخصه أن علي والمسيح عليهما السلام لديهما النظرة الإنسانية الواحدة للكون قاعدتها المتينة الأولى هي العدالة والمساواة.
ووفقاً للإحصائيات فقد بيع من الكتاب أكثر من 10 ملايين نسخة وترجم إلى الفارسيّة والاورديّة والإسبانيّة والفرنسيّة، هذا فضلاً عن قصيدته «هذه ليلتي” للسيدة أم كلثوم والتي لحنّها الموسيقار محمد عبد الوهّاب الذي قال عن جرداق “إنّ في شعر جورج جرداق من الموسيقى، ما لا يستطيع اللحن أن يجاريه أو يدانيه”.
مايكل دبغي

ومن نوابغ مرجعيون أيضاً البروفسور الطبيب الجراح مايكل دبغي الذي من أبرز إنجازاته تطويره آلة تستخدم في جراحة شرايين القلب عام 1950، وإجراؤه أول جراحة لفتح شريان مسدود عام 1953، وقيامه بأول عملية جراحية لإصلاح ثقب في القلب عام 1956، وأول من أجرى عملية جراحية عن طريق الاتصال التلفزيوني عام 1963، وأول من نفذ عملية جراحية لتغيير الشرايين التاجية، كما كان أول من جرّب تطوير قلب اصطناعي عام 1966.
الموسيقار وليد غلمية

صاحب السمفونيات الست المايسترو الخالد وليد غلمية أيضاً ولد في مرجعيون. وفيها عاش طفولته وأحب مدينته الى درجة العشق. بدأ في دراسة الموسيقى في سن 6 سنواتز ومن إنجازاته ايضاً: مهرجانات بعلبك الدولية… مهرجانات جبيل. مهرجان الأرز. ومهرجان «نهر الوفا». و”أرض الفراتين” وهو النشيد الوطني السابق لجمهورية العراق من 1981 إلى 2003.
العالم الدكتور جورج سماره

سأكتفي هنا بما كتبت لنا عنه زوجته السيدة الراقية بأخلاقها وعلمها هيلين سماره بالأمس وهو فخر لنا جميعاً:
- ولد الدكتور جورج عبد الله سماره في جديدة مرجعيون في 5 كانون الأول 1936
- كان والده مواطنًا أمريكيًا.
- هاجر إلى الولايات المتحدة عندما كان عمره 16.
- أنهى دراسته الجامعية في الهندسة الكيميائية والفيزياء والتحق بأحد المعامل الوطنية.
- أصبح من أمهر علماء العالم في استخدام الضغط العالي في دراسة الخصائص الإلكترونية والهيكلية لمواد الحالة الصلبة.
- كان “عالمًا لامعًا، ومواطنًا صالحًا، ومَعلمًا، ومُعلمًا”.
- لقد كان من بين رجال العالم المؤثرين، عاشقاً للأسرة، بستانياً ومزارعاً عظيماً، عاشقاً للطبيعة، رياضياً، والأهم من ذلك، كان إنسانًا رائعًا.
وأضافت السيدة هيلين: “آسفة إذا كان هذا كثيرًا – يمكنني التحدث عنه طوال اليوم. شكراً جزيلاً لكم”.
بستان لبنان
والقائمة تطول بمبدعي مرجعيون لتبقى لوحة فنية من لوحات لبنان الناصعة. وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال: هل هي صدفة أن تكون المدينة منبتاً للإبداع العلمي والثقافي؟ الأكيد ان الجو المتنوع في المنطقة يهيئ البيئة الصالحة للإبداع والتطور العلمي والمعرفي. كالبستان الذي تتنوع زهوره لينبثق منه مزيج من الروائح العطرة.
هذا هو البستان اللبناني الثقافي المتنوع فكل قرية بل كل حي في لبنان. له نكهته ولكنته ولونه المميز وهذه هي جمالية لبنان التي ستنتصر. وتبقى لأنها متجذرة في ذاكرته وحضارته الموغلة في التاريخ السحيق.
ويكفي أن نقول إن كل الأقليات في العالم تعيش أزمات، إلا في لبنان حيث الأقلية حتى وإن أتت من الخارج واستوطنت فيه تجد أنها وقد ذابت ضمن الأكثرية. في “البستان اللبناني الملون” سحر المعادلة اللبنانية الثقافية التي تستقبل كل الألوان لتزيد من جمال لوحة لبنان بل رسالته الإنسانية. وليفتخر القادم الجديد بانتمائه الجديد. وخير مثال على ذلك أبناء لبنان الأرمن الذين أغنوه بثقافتهم وعلمهم ومهنيتهم وحرفهم وزادهم لبنان إبداعاً وغنًى ثقافياً. وهم يتباهون بأنهم لبنانيون بينما الكثير من أقليات العالم تعاني العزلة.