
مركبة عسكرية لميليشيا هيئة تحرير الشام في مدينة درعا جنوب سوريا
الدكتور كامل فريد السالك
* استاذ جامعي وباحث سوري مقيم في لندن
في غمرة الفرح الذي ينتاب الشعب السوري للتخلص من النظام السابق، يحجم السوريون حتى الآن عن التساؤل كيف ومن الذي خلصهم من هذا الليل الطويل ويميل إلى تصديق الرواية المعلنة من أن هيئة تحرير الشام بفكرها الجهادي هي التي حررته من النظام السابق. ولا سيما أن الرواية المعلنة تطابق تماما ما كان يحلم و يريد سماعه وحدوثه منذ زمن. ولذلك فهو لم يناقش سبب عدم تمكن الشعب الذي انتفض بغالبيته وثار على نظام قمعي ولم يقدر أن يتخلص من هذا النظام رغم حجم التضحيات على مدى ثلاث عشرة سنة.
فقد كان هم الشعب هو الخلاص من نظام قمعي ظالم. لقد وصل سوء الحال بالسوريين إلى حد الترحيب بمن خلصهم من نير القمع والاستبداد، دون السؤال عن هويته، حتى ولو كان الشيطان. قليل منهم فقط من فكر بأن هناك اخراجا محكما لعملية تمت بناءا على توافقات دولية بين الدول العظمى وتلك المنخرطة بالشأن السوري، جرى اعدادها في الغرف المظلمة وبناء عليه جرى توزيع الادوار واسناد القيادة لفصيل مسلح بعينه موصوم بالإرهاب، هو هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بعد عملية تلميع وتسويق لهذا الفصيل وقيادته دون غيره.
الهدف الاساسي
قليليون من السوريين هم من حاول أن يستوعب ما حصل، وقليلون جداً هم أولئك الذين ادركوا الهدف الاساسي من هذا الإخراج لفيلم اسقاط النظام والذي جرى تسويقه على انه من منجزات الثورة السورية. ولا نريد هنا أن نرسم حقيقة ما تم في اطار نظرية المؤامرة، ولكن سنكتفي بتسليط الضوء على بعض الآثار المترتبة على انفراد فصيل مصنف على قائمة الارهاب في قيادة المرحلة بعد اسقاط النظام، هذه الاثار التي يجب أن يعرفها كل سوري، لما يترتب عليها من نتائج على مستقبل سورية.
غير خاف أن اسناد مهمة اسقاط النظام لجبهة تحرير الشام التي استغرقت إحدى عشر يوما دون اقتتال فعلي، في الوقت الذي ما انفك الشعب السوري من محاولة اسقاط النظام لمدة ثلاثة عشر سنة، يوحي بالكثير لذوي الألباب. الأهم من ذلك هو ما يترتب على هذا الإخراج لعملية اسقاط النظام من آثار ونتائج تصب في أغلبها في مصالح الدول التي قامت بإخراج هذا السيناريو وتسويقه للشعب السوري على أنه انتصارا لثورته المجيدة.
موقف المتهم بالإرهاب
أول هذه الاثار هي أنها وضعت القيادة الجديدة في موقف المتهم بالإرهاب، في حين أن الشعب السوري تعرض خلال الثلاثة عشرة سنة لإرهاب مزدوج، ارهاب السلطة وارهاب بعض الحركات المسلحة التي اندست في المعارضة وقام النظام السابق نفسه بتشكيل بعضها ودسها في الثورة، ليسوق نفسه أنه يحارب الإرهاب. والهدف الأساسي من اختيار هذا الفصيل للقيام بالدور القيادي هو اشغاله في المرحلة القادمة في التركيز خارجيا على رفع أسمه من تهم الارهاب، واحكام قبضته داخليا على الحكم والاستئثار بالسلطة، وفرض ادبياته الغريبة عن المجتمع السوري وتسويقها على انها هذا هو الإسلام وهذا هو شرع الله. وبالفعل فقد خرجت علينا واحدة من رموز القيادة لتبشر السوريين بأن الشريعة الاسلامية ستكون المرتكز وأنها لن تفتح المجال لمن يختلف معها. وهذا النوع من الدكتاتورية هو أسوأ أنواع الديكتاتوريات، لأنه لن يسمح لأحد أن يثور عليه في المستقبل لأنه يرتكز على نص مقدس لا يجوز القرب منه وليس فقط على سلطة فعلية مستبدة.
أول أثر يترتب على اسناد الدور القيادي لهيئة تحرير الشام يكمن في عجز القيادة الجديدة المتمثلة بهيئة تحرير الشام على اجراء محاكمة لرموز النظام السابق، لسبب هو أن اجراء محاكمة علنية لرموز النظام السابق سيفضي حتما إلى جلاء الحقيقة، بما فيه أن ما جرى خلال عملية التحرير ليس اقتتالا بين هيئة تحرير الشام بقيادة أبي محمد الجولاني والنظام السابق، ولكن تطبيقا لاتفاق شاركت في صياغته دول بعينها من ضمنها دول عربية. ومجرد أن يماط اللثام أن ما تم هو مجرد توافقات دولية شارك فيها النظام السابق نفسه وهيئة تحرير الشام بالإضافة الى الدول الفاعلة وعلى رأسها روسيا وايران وتركيا واميركا واسرائيل، فهذا يعني تجريد هيئة تحرير الشام من الحجة التي بموجبها امسكت بزمام السلطة في سورية والتي تتجلى في أنها هي التي خلصت الشعب السوري من النظام السابق، وبالتالي هي التي يحق لها قيادة المرحلة.
من هم الثوار الحقيقيون؟
فالأقوال التي سمعناها والوقائع التي نشهدها منذ سقوط النطام إلى هذه اللحظة توحي بذلك. فقد تحدثت أطرافا فى السلطة الحالية بوضوح عن أن من قاتلوا فقط هم من يحق لهم تولى السلطة والمناصب. وبالفعل فقد استأثرت هيئة تحرير الشام بكل المناصب الحكومية مع اقصاء ممنهج لكل أطياف المعارضة، ناهيك عن غياب لكل الأقليات في الوزارة الجديدة والأهم من ذلك غياب تمثيل حقيقي للمرأة.
ولعل من أهم نتائج تعويم هيئة تحرير الشام هو اعطاء المبررات القانونية واضفاء المشروعية على تدمير مقدرات الدولة السورية السابقة ومن أهمها تدمير قدرات الجيش السوري، بذريعة عدم وقوعها في يد فصيل ارهابي. فوجود هذا الفصيل المتهم بالإرهاب هو الذي أعطى الحجة الأخلاقية والقانونية لإسرائيل لتدمير مقدرات الجيش السوري، وقد فعلت دون أدنى استنكار أو إدانة وطنية أو عربية أو دولية، بعد أن وفر لها هذا الفصيل عن اتفاق أو عن جهل، الحجة القانونية لتدمير مقدرات الجيش السوري، والتوغل في الأراضي السورية.
ومن أثار الدفع بفصيل مصنف ارهابيا الى قيادة المرحلة هو الاتفاق الضمني المفترض على عدم فتح أي ملف يميط اللثام عن تورط أجهزة مخابرات عربية واقليمية و دولية بناء على توجيهات محددة من ادارة الرئيسين بايدن وأوباما بتأسيس داعش وكثير من الفصائل المسلحة التي قتلت مواطنيين سوريين وعراقيين. وبالتالي عدم فضح التواطؤ الدولي ومساهمته في قتل الشعب السوري وتشريده. وهذا الإخراج الخبيث لهذا الفيلم المرعب سيخفي أيضا دور البترودولار الخليجي في دعم وتمويل الجماعات المسلحة في سورية في قتل الشعب السوري عمدا، معارضة و مولاة. ونحن نستند في ذلك إلى ادلة دامغة على تورط دول خليجية بعينها في اطلاق المساجين المحكومين لديها بجرائم ارهاب ونقلهم و الدفع بهم إلى سورية للجهاد ضد نظام سابق بدوافع دينية ومدهم بالمال والسلاح مما تسبب بقتل أبناء الشعب السوري من مختلف الطوائف وأغلبهم من السنة.
هدفان أساسيان
وأخيرا لا بد من الاشارة إلى أن أهداف الذين قاموا بتعويم فصيل مسلح واسناد مهمة قيادة المرحلة كانوا يهدفون من وراء ذلك إلى أمرين: الامر الأول هو انهاء الوجود الايراني في سورية وهذه مصلحة سورية محضة وليس لدى السوريين أي تحفظ عليها، ولكن هدفهم الأهم هو القضاء على ما تبقى من مقدرات الدولة السورية وتقاسمها وتقسيم سورية والمنطقة تمهيدا لانبثاق الشرق الأوسط الجديد، وهذا لا يمت بصلة إلى الثورة السورية وليس من أولويات السوريين الذين ثاروا ضد نظام جائر، ولا يحقق أي مصلحة لشعب يعاني منذ ثلاث عشرة سنة من القتل والتهجير والعيش تحت خط الفقر وقبلها أربعين عاما أو أكثر من الظلم والقمع وكبت الحريات تحت عناوين وشعارات زائفة.
ومن هنا أهيب بكل من ثار على النظام السابق بحس وطني سليم وبدوافع وطنية خالصة للتوحد وقطع الطريق على أولئك اللذين يهدفون إلى تقسيم سورية على اسس دينية وقومية. ولا بد لقطع الطريق أمامهم من منع أي جهة من الانفراد في حكم المرحلة الانتقالية وفرض أجندتها وتحقيق أهداف داعميها للعبث في وحدة سورية وزعزعة استقرار الشرق الأوسط الهش أصلا.