الرئيس التونسي يمشي على خيط رفيع من التوازن مع حركة النهضة

لندن – حسان حرب: نسأل أولاً: ما هي أبعاد زيارة الرئيس التونسي في هذا التوقيت لمصر… بعد ليبيا وقطر؟ الرئيس التونسي قيس سعيد بدأ يتحرك سياسياً ويتفاعل ضمن مناطق الإقليم بعد أن وصل الى نقطة حاسمة في مساره السياسي. وحتّمت ذلك عليه إيجاد نقاط قوة إقليمية تجسّر قوته الشعبية في تونس.

يجري ذلك في ظل وجود قوة وازنة للإخوان المسلمين متمثلة بحركة النهضة. كل ذلك وسط أزمة حكومية واقتصادية ضاغطة في تونس تحتم على الرئيس أن يوجد نقاط قوة في الداخل والخارج تسمح له بعبور الأزمة.

وفي هذا السياق تأتي زيارته الى مصر اليوم. حيث توقع اتفاقيات مشتركة سياسية واقتصادية في ظل حالة الترنح الاقتصادي التي تعيشها الدولتان. وهي زيارة رسمية تحمل معاني مهمة للرئيس التونسي إلى مصر وتستمر 3 أيام. وتعدّ الأولى له منذ توليه منصبه في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. حيث تساءل العديد من المحللين عن أبعاد زيارة الرئيس التونسي لمصر

أبعاد الزيارة

This image has an empty alt attribute; its file name is يستعرضان-حرس-الشرف-1024x827.jpg
الرئيسان المصري والتونسي يستعرضان حرس الشرف في القاهرة

واللافت أن الزيارة هذه تأتي بعد زيارته الأولى الى ليبيا أخيراً التي لديها إمكانيات هائلة للاستثمار السياسي والاقتصادي. حيث تعد ليبيا من الدول الغنية جداً بمواردها. ويتشابه البلدان الى حد من حيث التوازن السياسي في السلطة بين الاخوان والقادة الآخرين في وجههم. فيما تونس لديها طاقات علمية جيدة من الأطباء والمهندسين والخبراء الذين يمكن استثمارهم في مشاريع إعادة بناء ما دمرته الحرب في ليبيا.

وسبق زيارة ليبيا زيارة للرئيس سعيد الى قطر حيث نسج علاقة توازن مع الدول الثلاث مصر وقطر وليبيا. وعلى هذا الأساس يبني سعيد استراتيجيته المتوازنة لينحاز الى الدولة العربية وليس للحزب الحاكم. وليؤسس لما يشبه التكامل العربي المرسوم في مخيلة الرئيس التونسي الاستراتيجية.

حاجة مصر لتونس

وتأتي الزيارة لمصر ضمن مساعي سعيد لتوازن في علاقات بلاده بين المحاور في المنطقة. خاصة أن مصر تواجه معضلة مع اثيوبيا. بينما تونس، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن حالياً تحتاجه مصر في معاركها السياسية مع إثيوبيا في الصراع على مصادر المياه.

وبالنسبة لمصر فتونس تمثلها وتمثل العرب في مجلس الأمن. وكذلك هي ممثلة المجموعة الإفريقية. وبالتالي فمصر تحتاج لخدمات تونس والتنسيق معها في السياق الأممي في وجه أديس أبابا. والواضح أن الزيارة أتت في هذا السياق لدعم الموقف المصري في وجه اثيوبيا. وكان وزير الخارجية عثمان الجرندي أعرب عن دعم تونس “لموقف مصر التفاوضي بشأن سد النهضة”.

وفي 9 آذار/مارس الماضي، رفضت إثيوبيا مقترحًا للسودان وخلفه موافقة مصرية، بتشكيل وساطة رباعية دولية، تضم الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحادين الأوروبي والإفريقي. وذلك لدفع المفاوضات المتعثرة حول سد النهضة خاصة. بينما أديس أبابا مصرة على ملء السد بالمياه من جديد، في يوليو/ تموز المقبل، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق. فيما تتمسك القاهرة والخرطوم بالتوصل أولاً إلى اتفاق على الترتيبات بين دول نهر النيل. وكان الرئيس المصري حذر من مخاطر صراع قد ينشب في المنطقة بسبب سد النهضة”.

غمز نحو تركيا

وكان آخر كلام صدر عن الرئيسين المصري، عبد الفتاح السيسي، والتونسي، قيس سعيد، التشديد على ضرورة وقف «التدخلات» الأجنبية في ليبيا وإخراج «المرتزقة» منه. مؤكدين دعمهما الكامل للشعب الليبي. كي يستكمل «آليات إدارة بلاده». وجاء ذلك خلال استقبال السيسي في قصر الاتحادية بضاحية مصر الجديدة، أمس، للرئيس سعيد، أمس وهذا يعد غمزاً من قناة تركيا وتدخلات الإخوان المسلمين في ليبيا والموقف الموحد المصري – التونسي برفض تلك التدخلات.

 وقال الرئيس إن تونس تتطلع “لتسوية الخلاف بين مصر والسودان وإثيوبيا من خلال الحوار (حول أزمة السد) وبما يُفضي إلى اتفاق يخدم مصالح الدول الثلاث في تحقيق التنمية وضمان أمن المنطقة”. وذلك وفق بيان للخارجية التونسية آنذاك.

وما يساعد الرئيس التونسي في سعيه لعلاقة توازن أن ذاكرة علاقاته مع مصر وغيرها من الدول التي يبني روابط قوية معها صافية بلا خلفيات سابقة. فسعيّد لم يكن ضمن الطواقم السياسية الفاعلة في تونس سابقاً. بل أتى محمولاً على أكف الدعم المدني للوصول الى قصر الرئاسة.

موقف النهضة

بالطبع عيون حركة النهضة تتابع عن كثب هذه الحركة السياسية النشطة للرئيس. وتنظر اليها بالكثير من التوجس. خاصة أن الرئيس المصري يعد الخصم الأول للإخوان ولا يطيق الجلوس مع أي حركة قريبة منهم وهم يناصبونه العداء في مصر ضمن صراع ممتد منذ تسلمه السلطة الذي سمته وقتها الحركة انقلاباً.

لكن الرئيس التونسي يمشي على خيط رفيع من التوازن بحيث يظهر “العين الحمرا” للإخوان (حركة النهضة). ولكن بدون أن تصل العلاقة الى حد الصدام بينهما. وهو يدوّر زوايا أوراقه الإقليمية لإيجاد موطئ قوة سياسية واقتصادية تدعم موقفه أمام التونسيين. مراهناً على نجاحه في إيجاد حلول اقتصادية للازمة الخانقة في تونس.

الملف الاقتصادي سيكون حاضراً في مباحثات الزعيمين خاصة أن تونس تعاني اقتصادياً بشكل كبير في ظل الجائحة القاتلة، وأن آفاق التعاون بين البلدين في هذا الخصوص واعدة. وفي هذا الصدد، اعتبر وزير الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار التونسي علي الكعلي، في تعليقه على الزيارة، أن آفاق حجم التبادلات التجارية والاستثمارات بين بلاده ومصر تبقى واعدة، والنتائج قابلة للتطور، رغم أن حجمها دون الطموحات والإمكانيات المتاحة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *