
حسان حرب
بعد انتكاسة خطة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهدف “انتشال لبنان من القاع الذي هبط إليه” حيث دخل المستنقع اللبناني الذي ليس سهلاً الخوض فيه يبدو أن الرئيس الفرنسي أدرك أن الخوض منفرداً في وحول السياسة اللبنانية لا يجدي وعليه أخذ يستجمع الخيوط التي تحرك لعبة السياسة في لبنان.
فليس صدفةً أن يزور ماكرون السعودية منتصف هذا الشهر لبحث الملف النووي الإيراني والوضع اللبناني حيث يعلم أن المملكة لاعب داخل حلبة السلطة في لبنان. فالزيارة تأتي في وقت حرج جداً في لبنان حيث عاملان ضاغطان بشدة على اللبنانيين وهما جائحة كورونا وانعكاساتها الخطرة والوضع الاقتصادي المنهار بينما السياسيون يقطّعون الوقت بهدف مكاسب آنية دون الالتفات الى خطورة الأوضاع التي تنذر بانهيار بل انفجار شعبي شديد في أي لحظة.
الأخبار من العاصمة السعودية الرياض تتحدث عن أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعتزم زيارة المملكة منتصف الشهر الحالي، للالتقاء بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حيث يبدو أن الملف النووي الإيراني في مقدمة الملفات التي سيبحثها معهما إضافة الى سعي فرنسي لصفقات أسلحة جديدة الى المملكة في ظل وضع اقتصادي فرنسي صعب في زمن كورونا، ويأتي ملف الوضع اللبناني ثانياً، في جدول محادثات القمة السعودية – الفرنسية.
وبالتأكيد محادثات الطرفين ستتناول الجهود لإنجاح المبادرة الفرنسية بشأن لبنان وأهمية الدعم السعودي لها لإخراج لبنان من أزمته والدفع بتشكيل حكومته بعيداً عن الإملاءات الإقليمية والمصالح الحزبية من خلال التناحر على الحصص الحكومية، ويأتي في هذا السياق نداء ماكرون الذي وجهه إلى القيادة السعودية مؤخرا بأن “لا تتخلى عن لبنان وتتركه لمصيره”.
ويتمظهر الدور الفرنسي الجديد بإعطاء دور سعودي “شكلياً” في التسوية وخصوصاً في الملف النووي الإيراني وطمأنة المملكة لجهة خاصرتها الأمنية. وفي الوقت نفسه فتح قنوات اتصال مع إيران توطئة للحل المقبل بخصوص الملف النووي الشائك الذي يعتبر أول ملفات الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن الذي يحتاج الى معالجة دقيقة وحساسة.
عين الرئيس الفرنسي على مليارات المملكة وصفقات الأسلحة
ودعا الرئيس الفرنسي يوم الجمعة الماضي إلى ضم السعودية لاتفاق الدول الكبرى مع طهران بشأن برنامجها النووي، وقال إن “التفاوض مع إيران سيكون متشدداً جداً وسيُطلب منها ضم شركائنا في المنطقة إلى الاتفاق النووي، ومن ضمنهم السعودية”، مؤكداً ضرورة “عدم ارتكاب خطأ 2015 عندما استبعد الاتفاق النووي القوى الإقليمية”.
اللافت والمؤكد أن إيران ترفض دعوة ماكرون، فقد قال المتحدث باسم خارجيتها سعيد خطيب زاده في بيان السبت الماضي إن الاتفاق “متعدد الأطراف، وقد جرت المصادقة عليه عبر القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وعليه فإنه غير قابل للتفاوض من جديد إطلاقًا، كما أن أطرافه محددون ولا يمكن تغييرهم”. وبالتأكيد الجانب السعودي سيطلع نظيره الفرنسي على آخر المستجدات على الساحة اليمنية، مدعومة بمعلومات استخباراتية تؤكد استمرار التدخل الإيراني من خلال وصول الأسلحة والذخائر وإرسال خبراء عسكريين إلى الحوثيين.
وعلى ما يبدو فإن الدور الفرنسي هامشي وله غايات “ماكرونية” بحتة لجهة الظهور بمظهر الحليف للسعودية في وجه إيران والمحادثات “النووية” المقبلة لكن عين ماكرون على كسب ود الرياض وملياراتها في صفقات أسلحة وأخرى جديدة تنعش الاقتصاد الفرنسي الذي تأثر كثيراً في ظل جائحة كورونا العالمية وقد تعودنا على مخططات الدول الأوروبية عندما تقع في أزمات اقتصادية ودور بريطانيا وسعيها الدائم في الخليج يعطينا الكثير من الدروس.
باختصار شديد اللاعب الأبرز في الملف النووي هو واشنطن وليس فرنسا الذي يبقى تأثيرها محدوداً فأمريكا وإيران من يحسم الملف. أما في لبنان فاللعبة معقدة جداً وخصوصاً في ظل الخصام الشديد الإيراني – السعودي على الساحات الإقليمية من لبنان الى سوريا والعراق واليمن والبحرين وأي حلحلة في علاقاتهما ينعكس ايجاباً سريعاً في لبنان والى ان تحل عقد الازمة بين ايران وايران سيبقى الوضع قابلاً للانهيار الشديد في لبنان.
ويبقى السؤال: هل يتجاوز ماكرون دور “البوسطجي” بين أمريكا وايران والسعودية في زيارته للسعودية في الملفين الإيراني واللبناني؟