د. كامل فريد السالك – (كاتب ومحامٍ سوري)

طويت يوم أمس صفحة الانتخابات السورية لمنصب رئيس الجمهورية، وأعلنت نتائجها المتوقعة مسبقا، ولكن بعض المتفائلين، كانوا يأملون أن تكون لدى القيادة السورية الحنكة والحكمة الكافية، بحيث تستفيد من هذا الاستحقاق الدستوري وتوظفه سياسيا من أجل حل الأزمة السورية في داخل البيت الوطني السوري، وتخفيف المعاناة على الشعب السوري وتقصير أمد هذه المأساة المؤلمة.

سيناريو

من أحد السيناريوهات التي كان يمكن أن تكون مثمرة وبناءة هو ترشيح شخصية معتدلة ومقبولة من أطياف المجتمع السوري، قادرة على الحفاظ على مؤسسات الدولة ومؤهلة للتعامل مع الوضع في سوريا ومستعدة للتجاوب مع مطالبات المجتمع الدولي والإقليمي والداخلي، واسناد هذه المهمة الصعبة والمعقدة لها. ومن الممكن أن تؤازرها في القيام بهذه المهمة الصعبة مجلس استشاري من الحكماء والخبراء وأصحاب الكفاءات والمعرفة والعلم والخبرة من السوريين المتمرسين الوطنيين وما أكثرهم.

لو كتب لهذا السناريو أن يتحقق، وهو لحسن الحظ ما يزال قابلا للتطبيق، وأسند منصب الرئيس لشخصية جديدة تحقق هذه المواصفات، واتيح للسيد بشار الأسد الخروج من السلطة بطريقة لائقة وآمنة، تحافظ مؤسسات الدولة وعلى ما تبقى من سوريا، لكنا بالفعل أمام معطيات جديدة ستمهد الطريق لحل الازمة السورية والبدء بالفعل بإعادة الإعمار وإعادة المهجرين الذين أصبحوا يشكلون عبئا ثقيلا على الدول المضيفة وخاصة دول الجوار.

تغييرات

مثل هذا السيناريو، لو حصل، سيغير أولا مواقف كثير من الدول التي تفرض عقوبات على الشعب السوري، أو تمتنع عن اقامة علاقات دبلوماسية مع الحكومة السورية بحجة تعامل النظام مع معارضيه والعنف المفرط في قمع المحتجين أو الطعن في الانتخابات ومصداقيتها. هذا الحل كان سيعطي شرعية داخلية ودولية للرئيس، ليس لأنه يستجيب لمطالبات المجتمع الدولي فحسب ولكن لأن هذا الحل يتجاوب مع متطلبات وحاجات هذا البلد وحل مشاكله، وينسجم مع الدستور السوري النافذ، ولا سيما المادة 88 منه التي تنص على أنه “لا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية”. فالمعلوم أن السيد بشار الأسد يجري انتخابه للمرة الرابعة، وهذه المرة الثالثة التي يجري فيها إعادة انتخابه، وهي المرة الثانية التي يجري إعادة انتخابه في ظل الدستور الحالي، خلافا لمنطوق ومغزى المادة الثامنة والثمانون منه. من الممكن أن يحاجج البعض أن الرئيس الحالي لم يكمل ولايتين دستوريتين في ظل الدستور الحالي الذي صدر في عام 2012، ولكن هذه حجة غير صحيحة، لأن التفسير اللفظي واللغوي والتفسير القانوني والفقهي لنص المادة 88 من الدستور السوري التي تمنع صراحة إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية، ناهيك عن الغاية والمغزى من وجود هذه المادة في صلب الدستور، تقوض هذه الحجة وتبطلها. وأخيرا هذا الحل كان سيفتح باب التداول السلمي والانتقال السلس للسلطة التي عرفته سورية جيدا في فترة ما بعد الاستقلال، وقبل حكم العسكر وسيطرتهم على السلطة.

نموذجان

قد يجادل البعض أن التخلص من السيد بشار الأسد ونهجه المقاوم هو مطلب أميركي اسرائيلي صهيوني. وأن هذا الحل يقدم خدمة للأعداء. إذا افترضنا أن هناك إرادة شريرة تريد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد ونهجه المقاوم. فأمامنا نموذجان للتعامل مع هذه الارادة. النموذج الأول هو النموذج العراقي والليبي. فقد قاومت السلطة القائمة في ذلك الوقت حتى الرمق الأخير، وفي نهاية المطاف أعدم الرئيس صدام حسين بصورة متعمدة وقتل الزعيم الليبي معمر القذافي بصورة بشعة وانهار نظامهما السياسي بالكامل ودمرت بلديهما. النموذج الأخر هو النموذج المصري، عندما تدخل العقلاء، فتنازل الرئيس مبارك عن الحكم وتمت السيطرة على الوضع وضبط عملية التغيير بإشراف الوطنيين المخلصين. وحافظوا بذلك على مصر وعلى النظام السياسي فيها. السؤال المطروح أي الطريقين أفضل وأقل كلفة؟ الجواب مكتوب على الحائط. وهنا لا بد من الاشارة أن نهج المقاومة ومقارعة المحتل والكفاح من أجل الحق ليس مرتبطا بشخص بعينه، أنه عقيدة سكان بلاد الشام على امتداد تاريخهم الإنساني.

فقدان الأمن

الحقيقة أن الشعب السوري الآن، مثله مثل الكثير من شعوب المنطقة، عليه أن يعاني من فقدان الأمن وغياب الاستقرار والتهجير والفقر وفقدان مقومات العيش الكريم وانعدام الأمل وانسداد أفاق المستقبل وعليه أن يدفع ثمنا باهضاً، وأكبر من المألوف من أجل استعادة وطنه من المستعمر الروسي والأميركي والإيراني، ناهيك عن الخطر الإسرائيلي القائم. وعليه أيضا تطهير أرضه من المجموعات المسلحة والجماعات المتطرفة والتكفيرية، ويضع حدا للتدخل السافر لبعض الدول الإقليمية في الشأن السوري وأطماعها. والأكيد هو أن حركة التاريخ وتجارب آلاف السنيين تقدم لنا الدليل بأن المستقبل سيكون لصالحه، وأن استقلال الاوطان وحرية الانسان وكرامته وإرادته هي الغاية التي ستصل إليها المجتمعات الإنسانية في نهاية المطاف، مهما كان الثمن باهضًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *