لندن – حويس منصور:

يلذ الحوار معها، وتأسرك بشخصيتها المقرّبة وثقافتها وفلسقتها في الحياة، هي الإعلامية والمحاورة اللبقة والممثلة المحببة إلى قلب المشاهد، هيام أبو شديد حجيلي.

  • مع بداية الربيع وعيد الأم الذي احتفلنا به في الأيام القليلة الماضية، الكاتبة والممثلة والإعلامية هيام أبو شديد، كيف مرّ هذا العيد عليك، خاصة وأن أولادك كيندا ونديم في كندا وأنت في لبنان؟

طبعاً الظروف التي نمرّ بها قاسية وحزينة ووجود أولادي كيندا ونديم في الغربة يحزنني من ناحية أني أشتاق لضمّهم. ومن ناحية أخرى أشعر بالاطمئنان عليهما كونهما في بلد آمن ويحترم المواطنين ويحمي حقوقهم. على أمل أن يسترجع لبنان فترات المجد والعز الذي كان يعيشها قبل الحرب ويعود جميع أبنائه الى حضنه.

  • كيف تعيشين هذه المرحلة الصعبة من حياة الوطن؟ هل ما زلت تؤمنين بلبنان؟ هل يمكن أن تغادري وتعيشي في بلد آخر؟

أعيش هذه الفترة بكثير من الرجاء والأمل رغم الوضع الحالي المُرعب. ورغم مراحل الحزن والإحباط التي قد أشعر بها.

الوضع صعب جداً لكني لم ولن أترك لبنان. عندما درست في مونبيلييه بفرنسا وكانت الحرب في أوجّها، قصدت أن أعود لمتابعة اختصاصي الجامعي في لبنان والعمل هنا. لست أدري إن كانت غلطة أو قراراً فاشلاً.. ولكن هذا كان إحساسي الحقيقي والصادق إذ شعرت أنه لن يهنأ لي عيش بعيداً عن وجع وطني. عشت حرب لبنان بكل مراحلها من عمر المراهقة إلى يومنا هذا. درست، عملت، تزوّجت، أنجبت وهاجر ولداي إلى كندا كونهما يحملان الجنسية الكندية وبقيت في لبنان رغم كل الظروف.

” لا تعرج أمام كسيح!”

  • عيادة زوجك ومكتبك الخاص قد تضررا مادياً بانفجار بيروت، الحمد لله على سلامتكم، لكن لم نسمع منك أي تصريح حول هذا الموضوع، هل بتنا لا نجرؤ أن نبوح بألمنا لأن كل من حولنا يئن والوطن كذلك؟

أخجل من جروحات الوطن وأوجاع المواطنين. مع العِلم ان الخسارة كبيرة وما نزال حتى اليوم نعمل على اصلاح الخراب بظل الوضع الإقتصادي المتدهور. هناك قول شعبي في لبنان أسمعه منذ صغري: ” لا تعرج أمام كسيح!” علينا أن نتواضع أمام وجع ودموع خسارة الأرواح. الأمر نسبي..

  • تقولين أنك تحبين التنويع في العمل، وفعلاً مسيرتك قد جمعت بين الاعلام على الاذاعة والتلفزيون والتقديم والتمثيل. حدثينا عن هذا التنوع، وأي منها هو الأقرب إلى شخصيتك؟

الرتابة والتكرار بالنسبة لي كمياه هادئة راكدة تصبح نتنة سريعاً ومزعجة.

أحب التحديّات والاستكشافات في المجالات التي تعني لي وتستهويني. مؤخراً عدت الى مقاعد الدراسة وتخرّجت من الجامعة اليسوعية بمجال الوساطة ومن جامعة الحكمة حصلت على ديبلوم في الإصغاء والمرافقة! الى جانب تخصّصي الأول في كلية الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية.

وأنا أجد نفسي في كل عمل جميل ومشروع غني إنسانيًا وفنياً.

“لا أشاهد البرامج السياسية والحوارية”

  • تفتقر اليوم الشاشة الصغيرة إلى برامج على مستوى ما قدّمت مثل “جدل” “وانا كمان”، وقد قدّمَت هذه البرامج للمشاهد الكثير من المعلومات التثقيفية والانسانية والاجتماعية المفيدة جدا. هل يمكن أن نرى هيام أبو شديد قريباً في برنامج ثقافي إجتماعي جديد؟

 أحببت كثيراً فترة إعداد وتقديم البرامج الإجتماعية الإنسانية.. كنت ألمس مباشرةً حاجة الناس وتفاعلهم مع كل موضوع كنت أعالجه. وكانت حينها المواضيع سبّاقة وجريئة دون استفزاز وفضائحية.

أتمنى أن أعود الى الشاشة ببرنامج ثقافي اجتماعي ولكن سياسة المحطّات حالياً لا تفسح المجال لمثل تلك البرامج ولا لشريحة عمرنا كمقدمين.. في الغرب تبقى مقدّمة البرامج في عملها حتى تقرّر التقاعد، أما في الشرق الأمر للأسف مختلف بالنسبة للنساء.

  • تجتاح اليوم البرامج السياسية هواء الشاشة اللبنانية، ونشهد تدنّياً غير مسبوق لفن الحوار؟ لا بد ّأن ما نشهده اليوم على الشاشات يعكس صورة تشرذم الوضع اللبناني للأسف. ماذا تقول هيام أبو شديد حين تشاهد هذه البرامج؟ وهل ولى زمن الرقي على الشاشة اللبنانية؟

 بصراحة اخترت الاّ أشاهد البرامج السياسية والحوارية! ربما هذا نوع من النكران ولكن لا أتحمّل سلبية الحوار واستفزازيّة المحاورين. الإعلام يعكس صورة المجتمع، إن كان المجتمع محموماً، حُكماً الإعلام سيكون مريضاً.. هذا ما كنت أردّده لطلاّبي في مادة “الأخلاقيّة في الإعلام”.

  • تقولين عن التمثيل أن هيام الإنسانة تموت لتحيا الشخصية التمثيلية، كيف يمكن عملياً لهذا الموت ثم العودة إلى الحياة أن يحدثا؟

 بما معناه، أن هيام تختفي لتحيا الشخصيّة! تصبح ملامحي ونَفَسي ورائحتي ومشاعري رهن الشخصية. فتختفي هيام وتزول لتظهر الشخصية وتتجلى! في أحد الأدوار التي لعبتها كان عليّ أن أجسد شخصية إمرأة تعيش في القرن الماضي. فلكي ألبس شخصيتها لم أكتف بالشعر والملابس، بل رحت أستعمل عطراً قديمًا ينقلني إلى تلك المرحلة، حيث التقيت مع الشخصية، ولبستها بهدف إنجاح الدور.

أعتبر أن مسيرتي التمثيليّة فاترة

  • هيام أبو شديد الممثلة، أديت ادوارأ تمثيلية مختلفة وعديدة، وتركت بصمة نجاح بشهادة كل من قيّم أعمالك وخاصة المشاهد اللبناني. هل أنت راضية عن مسيرتك؟

 أعتبر أن مسيرتي التمثيليّة فاترة وتفتقر للمعان درامي. الأدوار التي عُرضت علي لم تكن كلها مرسومة بخطوط دراميّة قوية ولكن لم أرفض تلك الأدوار لأنني أحب الأعمال الدرامية وأجواء التمثيل وكواليس التصوير.

 ربما لم أحصل على الأدوار المركبة والصعبة التي كنت أتمنى تمثيلها، لأنني توقفت عن التمثيل مدة عشرين عاماً بعد زواجي وإنجابي لأولادي، وكانت أهم سنين لبناء علاقات ورسم خط لشخصيتي الفنيّة.

  • ذكرت سابقا أن المسرح قد شفاك من مرحلة المراهقة المتمردة. علاج النفس من خلال الفنون كالتمثيل والموسيقى والرسم…يأتي بنتائج جيدة. كيف يتم ذلك؟ وما هي نقاط التلاقي بين علم النفس وفن التمثيل؟ وهل تعتقدين أن هذا الشفاء قد يصل الى المتلقي أيضاً؟ 

خشبة المسرح كانت فعلاً خشبة خلاصي. أعطتني مساحات دخلت من خلالها إلى أعماقي، حيث تقابلت مع ألمي وتصالحت معه، وتحررت مشاعري.

 فالفنون على أنواعها متنفّس يداوي الروح ويطرد الألم. الفن بلسم الجراحات التي نحملها من طفولتنا ومراهقتنا. العلاج النفسي من خلال الفنون: التمثيل، الموسيقى، الغناء، الرسم… علم قائم بحد ذاته وله تخصّص دقيق ومسؤول! وهي طريقة متبعة ولاقت نجاحات.

والفن لا يشفي الفنان فقط بل المُتلقّي أيضاً. إنه حاجة ماسّة تماماً كالهواء الذي نتنفّسه.

غياب الأهل جرح يحمله الإنسان مدى الحياة

  • عشت طفولة صعبة بغياب والديك اللذين كانا في المهجر، وانت واخواتك في لبنان من دونهما، ونشأتم برعاية الراهبات الطليان وتعلمتم في مدرستهم. سؤالنا لك ينطلق من هذه الطفولة التي تصفينها بالحزينة، هل لُمت أهلك على الغياب، وهل غياب الأهل في مرحلة معينة من الطفولة، يمكن للأهل أن يعوّضوه في مراحل لاحقة، أم هو جرح قد يحمله الانسان مدى الحياة؟

هو كذلك. ولكن عندما ينضج الشخص ويفهم سبب هكذا قرار وأن النيّة كانت سليمة ومحبّة، يتوقّف نزف الجرح ولكن تبقى الندبة.

  • والدك الشاعر الكبير إيليا أبو شديد، هو من شجّعك على دراسة فن التمثيل، وحصلت على شهادة دراسات عليا في التمثيل. ما كان تأثيروالدك على حياتك؟ ما هي الأمور التي تشبهينه فيها وماذا تعلمت منه؟

 تأثّرت بوالدي الشاعر إيليا أبو شديد كما تتأثّر أي فتاة بوالدها. هناك أمور إيجابية وأمور سلبية ولكنّها تصقل الشخصية. كنت تسجّلت في فرنسا في جامعة العلوم للتخصّص بطب البنج ولكن والدي شجّعني على التخصّص بالتمثيل والإخراج، فأجبته أن حبّي للتمثيل هو فقط هواية وأجابني على الفور: ما أجمل أن يمتهن الإنسان هوايته، فهذه هبة!

تعلّمت منه الكثير فنياً وإنسانياً وخاصةً هناك جملة محفورة في ذهني كان يردّدها: ” أغنى إنسان المُستغني!” وهذا الفكر يُحرّرك من قيود الزحف تحت الأقدام والتذللّ! أنا أشبهه بسرعة الخاطر ويقال إن ماء عيني تلمع كلمعة عينيه.

هيام أبو شديد
  • الحوار مع هيام أبو شديد غني بالثقافة والعمق والفلسفة والحكمة، كيف كونت هذه المعرفة الشاملة؟

 إنها التربية والقراءة والتجارب الحياتيّة والرياضات الروحيّة والعلاقات الإنسانية. كل اختبار أو تجربة في الحياة درس إيجابي إن أردنا التعلّم والنضوج والتقدّم وخاصة الإنفتاح صوب الآخر المختلف الذي يحمل لنا ثروات جديدة.

إيماني عمودي الفقري

  • نحن اليوم على أبواب عيد الفصح المجيد، والمعروف عن هيام أبو شديد إيمانها الراسخ. كيف تعيشين إيمانك في ظل هذه المرحلة الصعبة من لبنان. وماذا علمتك هذه المرحلة؟

 إيماني عمودي الفقري، بدون الصلاة والرياضات والتأمل لا رجاء بالنسبة لي. في ظل الظروف الحالية أتابع رياضات ومحاضرات online. وأنا أشعر أن هذا الزمن هو زمن قوي لإختبار قناعاتنا الإيمانية وتطبيقها فعلياً وليس فقط نظرياً.

أعيش إيماني وأسعى تطبيقه في حياتي اليومية عملياً، وما أكثير الحاجات في لبنان، وكل منا قادر أن يفعل الكثير في هذه المرحلة الصعبة.

حالياً أواكب فتيات عاملات أجنبيات تعرّضن للتحرّش والتعنيف وحتى هناك حالات انتحار لأن معاملة الكفيل تكون عنيفة وظالمة جداً وخاصة غير إنسانيّة. علينا أن نتذكّر أن كل إنسان مهما كان عرقه أو دينه أو مستواه الاجتماعي أو الثقافي هو مخلوق جدير بالإحترام وله حق بالحياة الكريمة ولا أحد يملك حياة إنسان!!  إن زمن العبودية واستملاك العبيد قد انتهى!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *