
طفلة لبنانية تنظر الى المستقبل حيث ترى المرفأ الذي دمره الانفجار الكبير
لندن – حسان حرب:
يوصف اللبناني عبر التاريخ بأنه مقاتل شرس من أجل البقاء حتى في أعتى الظروف القاهرة لا يستسلم بسهولة وإذا أقفل وطنه الأبواب عليه يفتح أبواباً عدة الى الخارج ليهاجر وقليلاً ما يقبل أن يهزم وهذا سر تسمية بلده بطائر الفينيق.
اللبناني يعيش أهوال الحروب وتسحقه الأزمات الاقتصادية والاجتماعية ثم يعود لينهض من جديد. إنه كما يختم أحد كتاب الرأي والإعلاميين المشهورين (عماد الدين أديب) مقاله بـ”أذكر أن سيدة أميركية عاشت في لبنان لسنوات قالت لي في مطلع الثمانينات: يا صديقي كونك لبنانياً هذا ليس من قبيل الجنسية، لكنها مهنة عظيمة تعلمك القدرة على الحياة”.
سر محير
أعجبتني المقالة التي تلخص الفكرة بما يلي “ما سر الإعجاز البشري الذي يمتلكه الإنسان اللبناني في القدرة على قتال كل تحديات الحياة والاستطاعة الفذة في التميز والصعود والنجاح في أعتى الظروف وأصعب المواقف؟! … في أفريقيا السوداء، كان يفاخر الراحل رفيق الحريري بأن هناك لبنانياً كان يذهب إلى عمله بواسطة الإسقاط الجوي بمظلة أسبوعياً في أحراش ساحل العاج!
وفي أميركا اللاتينية، وصل اللاتيني من أصول لبنانية إلى مقاعد السلطة والمال والشهرة أكثر من أي جنسيات أخرى. وأهم رجال البنوك، والإعلام، والفن، والاتصالات وصناعة السيارات من أصول لبنانية. ضع أي لبناني في أي مهجر صعب واتركه سنوات عدة ثم عد إليه ستجده قد حقق قصة نجاح رائعة واكتسب سمعة طيبة واستطاع أن يسوق نفسه وبضاعته أفضل من أي منافس آخر.. إنها العقلية الفينيقية التاريخية المبدعة الممزوجة بالاندماج القوي مع الثقافة الفرانكفونية والانفتاح الدائم على العالم من خلال رحلات سفر وامتزاج بالآخر”.
ولكن يبقى سؤال يطرحه اللبناني كل يوم: لماذا يقيّد بالأزمات في بلده ويجوّع هذه الأيام وتموت الكفاءات وتخنق المواهب ويضيق الوطن بأحلام أبنائه بينما يحلق اللبناني نجاحاً في بلاد الاغتراب؟ الجواب باختصار بسبب احترام القوانين ووجود النظام العادل بين الأبناء.
سيراليون مثالاً
عندما اندلعت “أزمة دودة القز” في لبنان في عام 1893 حيث كان جزءاً من الإمبراطورية العثمانية وصل اللبنانيون الأوائل إلى سيراليون “البريطانية” حيث كانت المجموعات الأولى منهم من المسيحيين الموارنة، ولكن ابتداءً من عام 1903، بدأ الشيعة اللبنانيون بالوصول إلى سيراليون من جنوب لبنان حيث كانت هناك أزمة زراعية خانقة. وعمل اللبنانيون في البداية كتجار صغار، كباقي تجار الساحل من سيراليون.
ولكن كان الحدث الأبرز عندما أثار اكتشاف الماس في منطقة كونو في عام 1930 بداية تحول كبير في الأنشطة التجارية للبنانيين. ووصل أول تاجر لبناني إلى كونو بعد فترة وجيزة من اكتشاف الماس، قبل عامين من الحكام البريطانيين. وأصبح الماس أهم قطاع تجاري للتجار اللبنانيين طوال الخمسينات وقد برز منهم في قطاع تجارة الماس قاسم بسمة وهشام مكي، الذي عمل بشراكة مع بلجيكا لتصدير الماس إلى هناك ثم يعاد تصنيعه وصياغته في صناعة المجوهرات ليصدر للعالم من بلجيكا. كما برع اللبنانيون هناك في تجارة الماس وفي إدارة دور السينما والفنادق والكازينوهات والمصانع ووكالات السفر. وفي القطاع المصرفي والبنكي.
الأرجنتين والبرازيل
وفي الأرجنتين يوجد 1.5 مليون أرجنتيني من أصول لبنانية الأغلبية العظمى منهم مسيحيون والأقلية مسلمة. وحصل العديد من التزاوج بين الأعراق عبر العصور. ويعتبر لبنانيو الأرجنتين أغنياء ومتعلمين ومؤثرين سياسيًا في البلاد ووصلوا حتى الى رئاسة البلاد والبرلمان والحكومة.
وهاجر اللبنانيون إلى الأرجنتين منذ منتصف القرن التاسع عشر. وناهز عدد الذين وصلوا إلى الموانئ الأرجنتينية مما يعرف الآن بلبنان ويتحدثون العربية، ما بين 1891 و1920 حوالي نصف مليون لبناني. وضعوا حينها بخانة “الأتراك” على أساس أن الأتراك العثمانيين كانوا حكام البلاد واستطاع العديد منهم الوصول الى أعلى المراتب السياسية في البلاد. ومن أهم أسباب هجرة لهؤلاء الأشخاص كانت هرباً من السطوة العثمانية، والتغيير الديموغرافي في لبنان، والحرب الإيطالية – التركية. وفي الفترة نفسها وصلوا الى البرازيل ويعد الآن من هم من أصول لبنانية فيها بالملايين وحققوا أعلى مراتب النجاح فيها.
نعيد السؤال: لماذا ينجح اللبناني في الخارج ويفشّل في بلده؟
في الخلاصة هذا مختصر علل لبنان:
-لا رئيس واحداً في لبنان بل رؤساء. والسلطة موزعة على زعماء سرقوا كل شيء ولم يبقوا شيئاً.
– يبقى البرلمان في لبنان منبت الفساد. فالنائب ليس حراً بل هو تابع لزعيمه. يعني هو رقم وبوق برلماني دوره يأتي فقط عند العد لدى توزيع المغانم.
– الدستور مترهل ولا ينتج نواباً ولا طبقة سياسية نظيفة طالما بقي طائفياً. ويعتمد توزيع السلطة والثروة على زعماء الإقطاع.
– العرف والمحسوبية أقوى من القانون الذي يستعمل عند اللزوم فقط.
– التبعية للزعيم تجعل المواطن متسولاً لديه وأي معارضة له تخسره لقمة عيشه.
– وطالما بقيت المناصفة والمثالثة و6 و6 مكرر لا أمل ببناء وطن لمواطن كريم. فيجب أن تحل المواطنة بدل المحاصصة الطائفية. لينتخب اللبناني كمواطن وليس كشيعي أو سني أو ماروني أو أو… وطالما بقي محسوباً كرقم لدى الزعيم لا أمل ببناء وطن. وبداية نهاية النظام الطائفي أعلنها انفجار مرفأ بيروت الذي هزّ العالم ولم يهز زعماءه عن الكرسي. لبنان يحتاج أن يعدل بين أبنائه ويحتضنهم بنظام سياسي عصري. ويفعل القوانين المؤسسات بقوة ويلغي الطائفية الى الابد ليستثمر في طاقات مبدعيه الذين أذهلوا العالم بينما جوّعهم حكامه السياسيون.
ختاماً
وفي الختام اتفاق الطائف أحد أهم أسباب إنتاج وتفريخ النواب الطائفيين والرؤساء الطائفيين. اللبناني يريد الانتماء الى الوطن وليس الطائفة. فقط عندما نصل الى انتخاب رئيس جمهورية غير ماروني ورئيس برلمان غير شيعي ورئيس حكومة غير سني ساعتها يمكن أن نقول أننا بدأنا بالوصول الى الحل في بلد يتيح لك الصراخ والسباب قدر ما تستطيع ولكن لا أحد يستمع لك ولا قيمة لك.