
الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري
لندن – حسان حرب:
لماذا بدأ الجميع في لبنان يرفع السقف السياسي في بلد أصلاً بات سقفه مهدداً بالانهيار. حيث يبدو تصعيداً مقصوداً قبل ساعات من كلمة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء اليوم الخميس، التي من المنتظر أن تكون حاسمة وقوية. كما يعتقد العديد من المحللين والمتابعين للشأن اللبناني.
كما يتزامن الخط البياني التصعيدي في لبنان مع جولات مكوكية لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على دول الخليج. لافروف الذي التقى رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري منذ أيام. ليكتمل المشهد في موسكو بزيارة وفد من حزب الله للعاصمة الروسية. حيث اطلع الحزب عن كثب على ما يجري من ترويج لأفكار للتسوية الحكومية في لبنان.
لقاء وفد الحزب مع لافروف في موسكو

التقى وفد حزب الله، ظهر الإثنين 15 مارس/آذار، بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وبحسب المعلومات المتداولة في الصحف فإن الجانب الروسي طلب أن يلعب الحزب دوراً حاسماً في عملية تأليف الحكومة الجديدة. وأوضحت وكالات الانباء أن الطلب جاء حتى لو اضطر حزب الله إلى الضغط على رئيس الجمهورية ميشال عون وصهره جبران باسيل. والذي تتهمه فرنسا، بعرقلة الجهود الجارية لتشكيل الحكومة. وأكد لافروف لمحمد رعد رئيس الوفد أن إدارته تدعم الرئيس المكلف سعد الحريري وترفض محاولة إقصائه من الحكومة.
جدير بالإشارة أن وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يزور أيضاً موسكو ويناقش الملف الإيراني النووي والوجود الإيراني جنوب سوريا وملف لبنان الشائك. لتبقى القطبة المخفية – العقدة بالموقف الأميركي من الحركة المكوكية الروسية. والتي قد تعيد المساعي الروسية الى الصفر. خصوصاً مع تصعيد الرئيس الأميركي جو بايدن ضد فلاديمير بوتين شخصياً. واتهامه للرئيس الروسي بأنه قاتل. لنشهد في كل المنطقة شد حبال كبيراً بينما يشهد الإقليم كله سخونة. قد تصل الى التفجير حيث الإيراني يرفض الخضوع للإملاءات الأميركية والاوروبي يبقى دوره هامشياً متأرجحاً بين التبعية للأميركي ومحاولة الاستقلال عنه.
“استدعاء” عون للحريري
وربطاً بالشأن اللبناني، وحيث لم يسبق أن استدعى رئيس لبناني لرئيس حكومة وطلب منه “تشكيل الحكومة حالاً!” ففي الاستدعاء الذي كتبه بصوته الرئيس اللبناني ميشال عون نبرة تحدٍ عالية وضع فيها الحريري في موقف دفاعي وضمن خيارات محدودة جداً إن وجدت: “فإما التأليف أو الاعتذار حالاً وبلا تأخير!”.
فقد وجّه الرئيس عون الى الرئيس المكلّف لزيارة قصر بعبدا دعوة مساء أمس “من أجل التأليف الفوري للحكومة بالاتفاق معه. وفق الآليّة والمعايير الدستوريّة المعتمدة في تأليف الحكومات من دون تحجج أو تأخير”.
وأضاف الرئيس عون أنه “في حال وجد رئيس الحكومة المكلّف نفسه في عجز عن التأليف وترؤس حكومة إنقاذ وطني تتصدّى للأوضاع الخطيرة التي تعاني منها البلاد والعباد. فعليه ان يفسح في المجال أمام كل قادر على التأليف… كلّ شيء يهون أمام معاناتكم. التي بلغت مستويات لا قدرة لشعب على تحمّلها. فالوباء يتربّص والفقر والعوز والبطالة والهجرة، والقهر وزوال القدرة الشرائيّة نتيجة الارتفاع الجنوني للدولار الأميركي مقابل الليرة. كذلك انقطاع المواد الحيويّة. وانحسار الدعم الذي كان متوافراً لها والتخبّط الذي تعيشه مختلف السلطات الدستوريّة والإدارات والمؤسسات المعنيّة بتأمين مستلزمات العيش. فيما لم نخرج بعد من فاجعة انفجار مرفأ بيروت وتداعياتها الكارثيّة. صدمة وراء صدمة، وكلّ يوم يحمل معه أثقاله وهمومه. فيتفاقم القلق بفعل العجز عن أبسط أساليب الحياة الكريمة”.
واكد عون “آثرت الصمت إفساحاً في المجال أمام المعالجات على مختلف المستويات، وتفادياً لأيّ حدث من جرّاء التجاذبات والانقسامات الحادّة في المواقف السياسيّة وانهيار المنظومة الاقتصاديّة والماليّة نتيجة سياسات خاطئة لعقود خلت. إلا أنّي سلكت درب المساءلة الوعرة في ظلّ نظام تجذّر فيه الفساد السلطوي والمؤسساتي واستشرى، وارتفعت أمامي كلّ المتاريس. وأنتم تعرفون أنّي ما اعتدت الإذعان والرضوخ دفاعاً عن كرامتكم وعيشكم الحر الكريم”.
وأضاف “أمّا اليوم، ومن منطلق قسمي، وبعدما تقدّم رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بعناوين مسوّدة حكومية لا تلبّي الحد الأدنى من التوازن الوطني والميثاقية، ما أدخل البلاد في نفق التعطيل، فإني أدعوه إلى قصر بعبدا، من أجل التأليف الفوري للحكومة بالاتفاق معي، وفق الآليّة والمعايير الدستوريّة المعتمدة في تأليف الحكومات من دون تحجج أو تأخير. كلّ ذلك من منطلق مسؤوليّته الدستوريّة وضميره الإنساني والوطني، ذلك أنّ مثل هذه المعاناة الشعبيّة لن ترحم المسؤول عن التعطيل والإقصاء وتأبيد تصريف الأعمال.
دعوة مصمّمة وصادقة للرئيس المكلّف الى أن يبادر فوراً إلى أحد الخيارين المتاحين. حيث لا ينفع بعد اليوم الصمت والتزام البيوت الحصينة، علّنا ننقذ لبنان”. وختم “لا فائدة من كلّ المناصب وتقاذف المسؤوليّات إن انهار الوطن وأصبح الشعب أسير اليأس والإحباط، حيث لا مفرّ له سوى الغضب”.
رد عالي السقف للحريري

ما تقدم يمكن تلخيصه بأن عون رمى الكرة في ملعب الحريري الذي لم يتأخر رده. ولإعطاء المشهد حرارة وتصعيداً جاء رد رئيس الحكومة المكلف، سعد الحريري، بسقف عالٍ أيضاً على عون وقايضه بين الموافقة على حكومة الـ18 التي اقترحها عليه أو اجراء انتخابات رئاسية مبكرة! والواضح أن الحريري علم بما يطبخ من حلول فعاجل الى التصعيد من أجل كسب قدر لا بأس به من النقاط في الجولة المقبلة هذا إذا كان هناك جولة مقبلة.
وقال الحريري، في بيانه أمس: “سأتشرف بزيارته (عون) للمرة السابعة عشرة فورا إذا سمح جدول مواعيده بذلك. لمناقشته في التشكيلة الموجودة بين يديه منذ أسابيع عديدة. والوصول الفوري إلى إعلان تشكيل الحكومة”. وعقب شهرين من تكليفه، أعلن الحريري أنه قدم إلى عون “تشكيلة حكومية تضم 18 وزيراً من الاختصاصيين غير الحزبيين”. وهي التي رفضها عون.
انتخابات رئاسية مبكرة
وتابع الحريري: “في حال وجد فخامة الرئيس نفسه في عجز عن توقيع مراسيم تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة. وذلك لوقف الانهيار الذي تعاني منه البلاد والعباد، فسيكون على فخامته أن يصارح اللبنانيين بالسبب الحقيقي. الذي يدفعه لمحاولة تعطيل إرادة المجلس النيابي الذي اختار الرئيس المكلف (الحريري)، والذي يمنعه منذ شهور طويلة من إفساح مجال الخلاص أمام المواطنين”.
وأكد الحريري: “على الرئيس عون أن يختصر آلام اللبنانيين ومعاناتهم عبر إتاحة المجال أمام انتخابات رئاسية مبكرة. وهي الوسيلة الدستورية الوحيدة القادرة على إلغاء مفاعيل اختياره من قبل النواب لرئاسة الجمهورية قبل 5 أعوام، تماماً كما اختاروني رئيساً مكلفاً لتشكيل الحكومة قبل 5 أشهر”.
الحريري أضاف: أنتظر منذ أسابيع عديدة “اتصالًا هاتفيًا من فخامة الرئيس ليناقشني في التشكيلة المقترحة لإصدار مراسيم الحكومة الجديدة”. وتابع: “تفاجأت، كما تفاجأ اللبنانيون جميعا، بفخامة الرئيس وهو يدعوني عبر كلمة متلفزة إلى القصر الجمهوري. من أجل التأليف الفوري بالاتفاق معه، وفق الآلية والمعايير الدستورية المعتمدة، كما قال فخامته”.
الخلاف والحلول؟

ويبقى الخلاف على حجم التشكيلة الحكومية بين 18 و20 وزيراً. كل ذلك يجري قصداً وتزامناً قبل الساعات القليلة المقبلة مع كلمة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله مساء اليوم الخميس.
والسؤال هو ما مضمون التسوية التي تطبخ على نار حامية في موسكو؟
وماذا سيقول نصر الله عنها وماذا سيقول عن الازمة في لبنان وهل سيقترح حلاً بينما الناس تئن تحت خطوط الجوع والفقر والمعاناة من فيروس كورونا؟
وهل سيرمي نصر الله بأوراقه بقوة هذه المرة وكيف؟
يتساءل العديد من المحللين ويجيب بأنه قد يكون من خلال جمهوره الواسع الذي قد يغير المعادلة؟
إذاً، ساعات قليلة وتتوضح الصورة هذا إذا لم تتصاعد الأمور بشكل دراماتيكي في بلد يقف على صفيح ساخن.