في لبنان سرقوا ذهب أمهاته و”تحويشة عمر” أبنائه ومستقبلهم

وأمهات كوريا الجنوبية بعن ذهبهن إنقاذاً للوطن من الإفلاس

لندن – حسان حرب: في بحث متأنٍ في أزمات الشعوب المالية تاريخياً في العالم، بهدف إجراء مقارنة للانهيار المتسارع للاقتصاد اللبناني بتجربة مشابهة لما يجري فيه، نجد تجارب ناجحة جداً استطاعت فيها الشعوب إيجاد الحل. وأنصع تجربة هي أقرب إلى الخيال بل المعجزة حدثت في كوريا الجنوبية عام 1997. وعذراً إذا أطلت لاحقاً في سرد ما حصل في كوريا الجنوبية عام 1997. لأن سياق القصة مهم جداً في ظل الأزمات المعقدة جداً والمهددة لوجود لبنان واللبنانيين كلهم:

أزمة إفلاس

منذ تسعة عشر عاماً كادت كوريا الجنوبية تنهار وتفلس وانتشرت أزمة مالية طاحنة طالت العديد من الدول الآسيوية كسنغافورة وماليزيا وتايلاند وكوريا الجنوبية تحديداً التي تعرضت وقتها لأزمة اقتصادية ساحقة، وبدأت الأمور تتجه فيها نحو الأسوأ حيث تزايدت الديون وانهارت البنوك الكورية وتوقفت مصارف أخرى فيها عن الإقراض، وهبطت قيمة العملة المحلية “وون” إلى مستويات قياسية. وهو ما أدى الى انتشار المخاوف على صعيد اقتصادات العالم، ولكن، معروف عن الكوريين الجنوبيين أنهم شعب حي ويعتبرون مثالاً صارخاً لكيفية إحداث تغيير وانعكاس اقتصادي إيجابي في الأزمات الصعبة التي تسبب بها الفساد الإداري والمضاربة بالعملة والبنك الدولي.

وأدت الأزمة الاقتصادية إلى ارتفاع الديون الخارجية عشرات مليارات الدولارات وانخفاض حاد في قيمة العملة الوطنية الوون وبالتالي ارتفعت أسعار السلع الأساسية، وكانت كوريا الجنوبية على شفير الإفلاس وكل خبراء الاقتصاد أكدوا أنها لن تستطيع الخروج من الأزمة وسوف تنهار اقتصادياً لا محالة. وعلاوةً على ذلك، جفت السيولة من السوق. وهرب المستثمرون الأجانب حيث هرب ما يقرب من 18 مليار دولار إلى خارج البلاد وخسر مئات الآلاف وظائفهم.

معجزة على ضفاف نهر الهان

هنا انتفض كل الشعب الكوري الجنوبي كـ”طائر الفينيق” (الذي يتغنى به اللبنانيون) وصنع ما سمي بـ”معجزة على ضفاف نهر الهان. وكان له رأي حاسم والكلمة الفصل حيث نظم حملات ضخمة للتبرع أملاً بالخروج من الأزمة، كما قامت النسوة الكوريات بالتبرع بكل ما يملكن من حلي ذهبية لسد الدين العام، حيث اصطف الكوريون صفوفاً صفوفاً لتسليم ذهبهم مقابل إعادة بعث الروح في بلدهم حيث صور الصفوف تملأ الآن مواقع التواصل الاجتماعي. كما عمد الكوريون الجنوبيون إلى حملة تقشف صارمة شملت رفض شراء أي منتج ليس كورياً لوقف الاستيراد وتم تقنين استخدام الماء والكهرباء واستهلاك منتوج الصناعة والزراعة الوطنية فقط.

وفي النهاية استطاع الشعب الكوري من جمع 7 مليارات دولار من التبرعات بالإضافة إلى توفير 30 مليار دولار أخرى من الشركات ورجال الأعمال والتجار حيث استخدمت في سداد الديون الخارجية. وفيما بعد أصبحت كوريا الجنوبية مثالاً يحتذى به. ووصفه تقرير لموقع “بيزنس إنسايدر” بمعجزة إسهام الذهب في حل أزمة “كوريا الجنوبية” وسداد ديونها. وبعزيمة أبنائها استطاعت كوريا الجنوبية الخروج من الأزمة المالية الآسيوية بل تحقيق نمو اقتصادي كبير بلغ 4% الأمر الذي أذهل كل صحف العالم التي أشادت بوحدة الشعب الكوري الجنوبي وتضحيته في سبيل وطنه. لماذا؟ لأنهم يصبحون كل يوم على وطن وليس زواريب طوائف.

أكبر جريمة في التاريخ

على المقلب الآخر، في لبنان، حدث العكس فقد سرق زعماء الدولة ذهب المواطن. نعم إنها أكبر جريمة بحق المواطن في تاريخ البشرية، لقد سرقوا “تحويشة عمره” في البنوك ولقمة عيشه وأحلام أبنائه. ومن السارق؟ ذاك الذي ائتمنه المواطن على رزقه. وأصبحنا نسمع حكايات مواطنين كانوا من الطبقة الوسطى وما فوق الوسطى مثلاً. فأصبحوا الآن “على الحديدة”، بلا مستقبل ولا أموال ولا حتى أحلام… كلها سرقت.

وبتنا نسمع قصصاً موجعة تدمي القلب، حيث لم يعد من خيار أمام اللبناني إلا الرحيل، الجميع يريد أن يرحل من أجمل بلد على وجه الأرض، ففيه من الموارد البشرية والطبيعية ما يؤهله ليكون أغنى دولة في العالم. ويكفي أن نذكر طبيعة لبنان. وهي كنز بثلوجه وجباله وأنهاره وبحيراته والطاقات البشرية الهائلة من العلماء والأطباء. الذين يضاهون بعلومهم وكفاءاتهم أطباء أوروبا بل يتفوقون عليهم وعشرات آلاف حملة الدكتوراه والمهندسين. كما لا ننسى مخزونه النفطي المستجد.

“دفنوا السر سوا”

في حين نجد أن زعماء الطوائف شكلوا دوائر قوة تحميهم وسرقوا بالتساوي أموال الدولة وأفلسوها بالتآمر والتعاون اللصيق والسري مع حاكمي المصرف على مر السنين. وركّبوا ديوناً ضخمة على الدولة الى أن وصلنا الى اعلى دين في العالم نسبة لعدد السكان. وعززوا الانتماء للطائفة وليس للوطن. فغدا البلد مزارع طائفية وعلى رأس كل مزرعة هناك “طربوش” تُؤدى له فروض الطاعة. وكل “الطرابيش” شركاء في الجريمة. ولا يريدون انفضاح سرهم لأنهم “دافنينو سوا”.

وفي النهاية لم يعد من ذهب لتبيعه أمهات لبنان كما فعلن في كوري. فقد “كوّش عليه الديناصورات” وتركت الأمهات ينتظرن أمام البنوك لساعات وساعات حتى يستطعن سحب بضعة دولارات يشترين بها ما يطفئ جوع أطفالهن. ومن لا يملك شيئاً أصبح يصلي ليل نهار لكي تخطفه جائحة كورونا كي لا يرى دموع أطفاله الجوعى.

حزين أنت يا بلدي… فمن يكفكف دموع شجر أرزك؟

ولكن وراء كل بلاء حكمة!… وتصبحون على وطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *