لندن – حسان حرب:

سهى (نعيمه) تتحدث عن “الله في فكر ميخائيل نعيمه”، وذلك في الذكرى الخامسة والثلاثين لرحيل الكاتب والفيلسوف اللبناني ميخائيل نعيمه (28/2/1988 – 28/2/2022). تواصلت مع السيدة الفاضلة سهى “نعيمه” (اسمها سهى فوزي حداد وتنادى دائماً بـ”سهى نعيمه”. نظراً لأنها تربت على يدي وفكر “جدو ميشا” عشرين سنة). وهي قريبة الراحل الكبير (ابنة بنت أخيه) التي تربت في كنفه وعلى أخلاقه في منزله بالزلقا، في شمال بيروت، لبنان عشرين سنة. حتى ما بعد الرحيل، بقيَتْ هي مع والدتها في منزلهم ’الزلقاوي’، منزل “الميماسونا” (ميخائيل، ميّ، سهى، نعيمه).

“أمينة فكر ميخائيل نعيمه”

وأسمح لنفسي بوصف سهى أنها كانت وما زالت “أمينة فكر ميخائيل نعيمه” وحافظت على كل كتبه ومقتنياته وما زالت كما أمها الفاضلة الراحلة التي كان يلقبها نعيمه ب”ملاكي الحارس”. وكانت فرصة لا توصف أن ألتقي بسيّدة فيها الكثير من خصال “جدّها” بل “أبيها الروحي” ميخائيل نعيمه الذي تتلْمذت على توجّهاته وإيمانه وفلسفته لتزداد نوراً وعلْماً وأخلاقاً.

عاشت سهى “أول عشرين سنة من عمرها في “حضن جدها” وترعْرعت “بقربه وعلى محبّته ومن منتوج كتبه وتضحياته ومحبته”. وكانت تلك العشرون سنة آخر عشرين سنة من حياة نعيمه قبل أن ينتقل إلى الحياة الأبدية.

نعيمه مع ابنة أخيه مي (أم سهى) “الملاك الحارس” له كما كان يلقبها

“الله في فكر نعيمه”

سألت الأمينة سهى عن “الله في فكر نعيمه” فقالت: الله، عند ميخائيل نعيمه، هو الخالق الكل، الضابط الكل، هو الكلي الادراك، الكلي الارادة، هو مصدر الحياة التي تعي ذاتها، وهو البحر الذي نحن نرنو إليه، فنحن كالسواقي وهدفنا أن نصب في هذا البحر، الذي ينظف الوسخ والعكر في هذه السواقي.

“الإنسان فرخ إله”

بالنسبة لميخائيل نعيمه، الانسان هو فرخ إله، لأنه ليس معقولاً أن يخلق الله إنساناً لا يشبهه، كمثل الأم التي لا يمكن أن تولد طفلاً لا يشبه الانسان، ولأننا من مخلوقات الله فنحن نشبه الله، وحسب فكر ميخائيل نعيمه نحن نستطيع أن ندرك الله لأن ادراكنا من ادراك الله الشامل. ولان وعينا من وعيه، كأن هناك ذاتين صغرى وكبرى. وحتى ندرك ذاتنا الكبرى علينا التخلي عن ذاتنا الصغرى.

 فالذات الصغرى تعيش وتأكل وتشرب وتموت. والذات الكبرى بعد الذات الصغرى تذوب في الذات الاهية، وتتصل بالنور الإلهي فيه. وتتصل بربها الذي هو نواتها ونواة كل انسان.

“إدراك ما زال مقمطاً”

فإدراك الانسان ما زال ادراكاً طفولياً مقمطاً بالطفولة، ولكن الانسان يستطيع ان يصل الى ألوهيته الشاملة مثلما المسيح استطاع الوصول الى انسانيته الكاملة الشاملة والنور الذاتي، والى ألوهيته التامة الكامنة فيه وينتصر على العالم. ومثل أي انسان يعرف كيف يتخطى ذاته الصغرى لينتصر على العالم.

ولان سيدنا محمد الذي استطاع ان يتصل بالنور الذاتي فيه استطاع أن يتواصل مع الملاك جبرائيل والنور الإلهي فيه. ويجب على الإنسان ان يدرك ذاته تماماً كما تدرك الحياة ذاتها. فإدراكنا من إدراك الله الشامل وندرك الله بوعينا إذا تخلينا عن ذاتنا الصغرى.

المذاهب عند نعيمه

وفي السياق، فأجمل ما قاله المفكر الكبير نعيمه عن المذاهب والطرق للوصول الى الله والتي تحترم بعضها بعضاً: “ما دامت غايتك من مذهبك الوصول إلى الله. و غايتي من مذهبي الوصول إلى الله. فما شأنك معي أيّ طريق أسلك إلى الهدف” (ميخائيل نعيمه, “البيادر”)

النور والديجور”

وتضيف سهى اقتباساً عن “جدو ميشا” من كتابه “النور والديجور”: سيعرف الإنسان أن القدرة التي يدعوها الله هي الكل في الكل، وأنه منها وفيها. فهو في كل زمان ومكان لأن الله في كل زمان ومكان. وهو في الأرض مثلما هو في السماء، وفي الأزل مثلما هو في الأبد. فالسماء والأرض تتزاوجان في الإنسان، والأزل والأبد يلتقيان في نبضة من نبضات قلبه…

“صراع في سبيل الانعتاق من ربقة الأرض”

وسيعرف الإنسان أن صراعه مع الأرض ليس صراعاً في سبيل الحصول على سمن الأرض وشهدها، بل في سبيل الانعتاق من ربقة الأرض. وكذلك صراعه مع السماء لن يكون في سبيل النجاة من جهنم والتمتع باللجنة. بل في سبيل المعرفة الربانية التي لا تعرف الخوف من أي نوع كان والتي تتسامى فوق كل متعة مهما طابت مذاقاً.

ثم سيعرف الإنسان أن الدين الذي يحاول ربط الأرض بالسماء إنما هو صراط يسير عليه القلب لا عقيدة يذيعها اللسان أو حركات تقوم بها الأرجل والأيدي. وإن من شاء أن يعلّم الناس الدين عليه أن يعلّمهم بسيرته وسريرته قبل لسانه وشفتيه. وأن يمشي أمامهم على الصراط ليوقنوا أن في مستطاعهم المشيّ عليه.

لا لدين يشلّ بالخوف والوعيد فكر الإنسان

لقطة من منزل/متحف ميخائيل نعيمه

فكل دين يشلّ بالخوف والتهديد والوعيد فكر الإنسان وخياله وإرادته في انطلاقه نحو المعرفة والحرية، وكل دين لا يوحّد قوى الإنسان في صراعه مع الحدود والقيود ليس بالصراط الذي يليق بالإنسان أن يسير عليه.

ولكن الإنسان أعظم من أديانه وأبقى. فهو سيجعل من أرضه سماءً، وسيكون في سمائه سيّد الزمان والمكان وشريك الحياة الخلاّقة في الخلق. أما متى يتم له ذلك فسؤال ليس يطرحه إلا الذين خارت عزائمهم وانهدّ إيمانهم. أولئك هم الذين ما عرفوا بعد أرضاً غير هذه البطحاء، ولا سماء غير هذه القبة الزرقاء. أما الذين لهم في كل كوكب أرض وفي كل فضاء سماء فأولئك لا يسألون عن ذلك اليوم متى يكون. بل يثُبتون في الميدان واثقين من النصر ـــ ولو في نهاية الزمان.

#النور_والديجور

#البيادر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *