vatican


بقلم الدكتور كامل فريد السالك (باحث ومحامٍ سوري)


يختلف رجال الكنيسة حول تحديد يوم الاحتفال بعيد القيامة بين موعدين مختلفين بناء على اعتماد كل منها تقويم مخالف للأخر، فالكنيسة الشرقية مازالت تعتمد التقويم اليولياني القديم ويسمى التقويم الشرقي، في حين أن الكنيسة الغربية تعتمد التقويم الغريغوري ويسمى التقويم الغربي، مع العلم أن الكنائس الشرقية والغربية تطبق نفس القاعدة في تحديد يوم عيد القيامة، وهي القاعدة التي أقرها المجمع المسكوني الأول في نيقية عام ٣٢٥ ميلادي. وتنص هذه القاعدة على أن يعيد جميع المسيحيين في المسكونة بعيد القيامة في يوم واحد، يكون يوم الأحد الذي يلي القمر الكامل الأول بعد الاعتدال الربيعي. وعليه لا بد لتحديد موعد عيد القيامة تحقق ثلاثة أمور:

ثلاثة أمور مهمة


      ⁃      أن يأتي الاعتدال الربيعي أي بداية فصل الربيع في نصف الكرة الأرضية الشمالي. وبدء الربيع في التقويم الغربي الجديد المعتمد حاليا هو الحادي والعشرين من شهر أذار مارس والذي يوافق الثامن من مارس أذار وفقا للتقويم الشرقي القديم.
      ⁃     أن يصبح القمر بدرا بعد حلول الاعتدال الربيعي، فإذا جاء اكتمال القمر بدرا قبل الاعتدال الربيعي، فيجب الانتظار دورة القمر الجديدة حتى يصبح بدرا مرة اخرى
      ⁃     يحتفل بعيد القيامة في يوم الأحد الذي يلي اكتمال القمر، اي صيرورة القمر بدرا.
فالقاعدة تقضي ببساطة إنّ العيد يكون يوم الأحد، الذي يلي أول بدر يظهر بعد بدء فصل الربيع.

ورغم غرابة هذه القاعدة وتعقيدها وعدم ارتباطها بأي تعاليم كتابية مسيحية. إلا أن رجال الدين في الكنيسة الغربية والكنيسة الشرقية على السواء يصران على تطبيقها بحذافيرها، ويؤكدان أن مخالفتها من الكبائر.

ولم يثر تطبيق هذه القاعدة أي اشكال يذكر حول توقيت الأعياد منذ إقرارها في مجمع نيفيه عام ٣٢٥ و حتى القرن السادس عشر. ففي القرن السادس عشر اتخذ البابا غريغوريوس الثالث عشر قرارًا باتباع التقويم الغريغوري في عام ١٥٨٢ بدلا من التقويم اليولياني الذي كان ساريا حتى هذا التاريخ، استنادا إلى التصحيح الفلكي الذي حدث في الغرب في القرن السادس عشر.

التقويم اليولياني
والتقويم اليولياني هو نظام تقويم تم اعتماده في عهد الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر في عام ٤٥ قبل الميلاد وسمي باسمه. وقد كانت الغاية منه تحسين التقويم الروماني القديم وجعله أكثر دقة في تتبع السنة الشمسية. يستند التقويم اليولياني على دورة السنة الشمسية. بحيث تم تقسيم السنة إلى ٣٦٥ يومًا، مع إضافة يوم كبيس كل أربع سنوات للتعويض عن أجزاء الأيام الزائدة. واستخدم هذا التقويم في معظم العالم الغربي حتى تم استبداله بالتقويم الغريغوري في القرن السادس عشر الميلادي، على يد البابا غريغوريس الثالث عشر، ولذلك نعت هذا التقويم باسمه.

الفرق الرئيسي بين التقويم اليولياني والتقويم الغريغوري يتمثل في كيفية تنظيمهما للسنوات الكبيسة. ففي التقويم اليولياني، يتم إضافة يوم واحد إلى شهر شباط- فبراير في كل سنة كبيسة أي كل أربع سنوات أو بعبارة أخرى كل سنة قابلة للقسمة على ٤. أما في التقويم الغريغوري، فلا يتم إضافة يوم كبيس في السنوات التي تكون قابلة للقسمة على ١٠٠ ولكن ليست قابلة للقسمة على ٤٠٠. فالسنة ١٩٠٠ مثلا تعتبر سنة كبيسة طبقا للتقويم اليولياني لأنها تقبل القسمة على ٤، ولكنها لا تعتبر سنة كبيسة في التقويم اليولياني لأنها وإن كانت تقبل القسمة على ١٠٠، لكنها لا تقبل القسمة على ٤٠٠، وبالتالي لا يتم إضافة يوم كبيس لشهر فيراير – شباط في هذه السنة. وهذا ما يجعل التقويم الغريغوري أكثر دقة من التقويم اليولياني في حساب السنوات الكبيسة على المدى البعيد.

التقويم الغريغوري
وقد أدى اعتماد التقويم الغريغوري إلى توحيد التقويم المدني في العديد من الدول الغربية، مما سهّل التواصل والتنسيق بينها، كما أدى قرار البابا غريغوريس الثالث عشر باتباع التقويم الغريغوري إلى تغيير موعد عيد الميلاد من السابع من يناير – كانون الثاني إلى الخامس والعشرين من ديسمبر – كانون الأول، على أساس تصحيح الخطأ في حساب السنوات الكبيسة الزائدة وهي تلك السنوات التي تم فيها خطا زيادة يوم كبيس إليها طبقا للتقويم اليولياني لانها تقبل القسمة على أربعة ولكنها طبقا للتقويم الغريغوري ليست كبيسة لأنها تقبل القسمة على ١٠٠، ولكنها لا تقبل القسمة على ٤٠٠. مما أدى إلى حذف الأيام التي أضيفت إلى السنوات التي أعتبرت كبيسة طبقا للتقويم اليولياني، لكنها لم تكن كذلك طبقا للتقويم الغريغوري. وهذا ما أدى لفارق بين التقويمين يمتدّ لثلاثة عشر يوماً وست ساعات وعدد من الدقائق والثواني.

لم يثر تطبيق التقويم الجديد إشكالية جوهرية في تحديد عيد الميلاد حسب التقويم الغربي باعتبار أن الاحتفال بعيد الميلاد يتم بتاريخ ثابت غير متغير كل عام، ولكنه اثار قضية اختلاف المسيحيين اللذين يتبعون التقويم الجديد (الغربي) والمسيحيين الذين يتبعون التقويم القديم (التقويم الشرقي)، فمازالت الكنائس التي تتبع التقويم الشرقي تحتفل بعيد الميلاد في السابع من يناير مثل الكنيسة الارثوذكسية القبطية والروسية والأرمنية. في حين تحتفل الكنائس الغربية بعيد الميلاد في الخامس والعشرين من شهر كانون الاول – ديسمبر، بفارق ثلاثة عشر يوماً.هي الفرق في حسابات السنوات الكبيسة بين التقويم الغريغوري والتقويم اليولياني. .

عيد القيامة
أما بالنسبة لعيد القيامة غير المحدد بموعد ثابت كل عام، بل وفقا للقاعدة التي أقرها مجمع نيقية، فقد أدى قرار البابا غريغوريس باعتماد التقويم الغربي إلى تغيير موعد الاحتفال بعيد القيامة ليس فقط بثلاثة عشر يوما الفارق بين التقويمين، كما هو الحال في عيد الميلاد، ولكن بصورة متغيرة. لان تحديد يوم القيامة يعتمد على معايير مختلفة طبقا لقاعدة مجمع نيقية وهي الأحد الذي يلي القمر الكامل الأول بعد بداية فصل الربيع. فقد يتطابق التوقيت وقد يختلف ويصل الفارق بالتوقيت إلى خمسة وثلاثين يوما كما هو الحال في هذا العام. فقد أحتفل المسيحيون الذين يتبعون التقويم الغريغوري بعيد القيامة بتاريخ الحادي والثلاثين من شهر مارس – اذار هذا العام في حين سيحتفل المسيحيون اللذين يتبعون التقويم اليولياني بعيد القيامة في الخامس من شهر ايار مايو.

الأمر الآخر الذي ناقشه المجمع المسكوني في نيقية هو وجوب ورود عيد القيامة زمنيا بعد عيد الفصح اليهودي، استنادا إلى نص كتابي في العهد الجديد يُذكر أن يسوع قام من بين الأموات يوم الأحد الذي يلي الفصح اليهودي (متى ١:٢٨) . ولأنه يجب ان يحتفل المسيحيون بعيد القيامة بعد الفصح اليهودي استنادا لنص الكتاب يصر رجال الكنيسة الشرقية على صحة موقفهم في اتباع التقويم الشرقي اليولياني، في حين يرى رجال الكنيسة في الغرب أنهم يغلبون المعطيات العلمية الدقيقة على سواها، ويأخذون بالتصحيح الفلكي المستند على العلم بغض النظر عن موعد احتفال اليهود بعيد الفصح.
يتبين من خلال ما تقدم أن الاختلاف بين الكنائس التي تتبع التقويم الشرقي والكنائس التي تتبع التقويم الغربي هو مجرد اختلاف سطحي، لا يمت بصلة للعقيدة والايمان المسيحي، ويغلب عليه للأسف طابع المناكفة وروح الاغترار، ولا ينسجم مع قيم المسيحية القائمة على المحبة والتواضع. فتعاليم المجامع الرسولية والقواعد التي أرستها هي تعاليم اجتهادية ارشادية، لا تصل إلى مرتبة النص المقدس الذي لا يجوز تجاوزه. كما أن اتباع هذه التعاليم يجب أن يكون بروحها وجوهرها وليس بشكلها وصياغتها فقط. فقد علمنا السيد المسيح أن لا نكون مثل الفريسيين والكتبة الذين يقدسون الحرف ويقدسون السبت، فالسبت للانسان وليس الانسان للسبت، كما أن الحرف يقتل وأما الروح فتحيي.

خيبة أمل

ومن المخيب للأمل أن نجد كلا الطرفين المختلفين سواء الذين يعيدون بناءً على التقويم الشرقي أو الذين يعيدون استنادا إلى التقويم الغربي يتمسكان بالالتزام بمقررات المجمع المسكوني الأول بكل دقة وأمانة، ويرفضون المساس بأي بند من بنوده ويتبعون القاعدة الايمانية التي تقول أن ما أقّره مجمع مسكوني لا ينظر فيه مجدداً ويسخرون من دعوة البعض لتحديد موعد اتفاقي أخر لعيد القيامة، لانهم يرون أن مثل هذا ينسف قرار مجمع مسكوني، له رسوخ في العقيدة المسيحيّة، في الوقت الذي يتغافلون فيه عن أهم نقطة أجمع عليها الحاضرون في المجمع المسكوني الأول في نيقية الذين رأوا “أن نعيد القيامة في كل مكان في المسكونة في يوم واحد، فلا يناسب مطلقا أن نتبع تقليد اليهود الذين صاروا يعيدون الفصح مرتين في سنة واحدة …يجب أن نفتكر أن مخلصنا ترك لنا يوما واحد يجب أن نحتفل فيه، ليكون تذكارا واحدا لفداءنا، فمن غير اللائق ان يكون في اليوم ذاته البعض صائمين والبعض ينعمون بمائدة العيد ويحتفلون ببهجة العيد… ” (من رسالة الملك قسطنطين إلى الاساقفة اللذين لم يتيسر لهم حضور المجمع المسكوني الأول يبلغهم فيها مقررات المجمع).

إصرار الطرفين

ولكنها بالنسبة للمؤمنين حدث له بعد إجتماعي عميق ناهيك عن البعد الديني. ثم أن هذه المسألة لا يجب أن تكون من أختصاص رجال الدين وحدهم دون رقيب أو حسيب، لأنها أولا لا تتعلق بالعقائد الدينية و الايمانية المسيحية ولأنها ثانيا تمس بشكل مباشر جماعة المؤمنين اللذين يتأثرون بتبعاتها. فالاستمرار في هذا النهج والاحتفال بعيد الفصح في موعدين مختلفين وكذلك عيد الميلاد وبقية الأعياد المسيحية يسيء جدا لجماعة المؤمنين ويمس ايمانهم ويظهر المسيحيين على أنهم مختلفين ايمانيا وعقائديا. فمن غير اللائق كما أقر مجمع نيقية ان يكون في اليوم ذاته البعض صائمين والبعض ينعمون بمائدة العيد ويحتفلون به. وكأن المؤمنين جسد متنافر، وليس جسد المسيح.

وفي ظل إصرار الطرفين المختلفين على موقفهم وعدم استعدادهم للتنازل للطرف الأخر، فإن المسيحيين وخاصة في الشرق مطالبين الآن بموقف يعيد الأمور إلى نصابها، فالقضية لا يجب تكون حصرا على الاكليروس في الكنيستين الشرقية والغربية، لأنها تتعلق بحياة كل مسيحي وتمس صورة المسيحية ككل. فلا يتأثر رجال الدين كثيرا إذا أقاموا الخدمة الليتورجية في هذا اليوم أو ذاك، فالخدمة الليتورجية تستعيد حدث الصلب والقيامة ليعيش المؤمنون فعلها في حياتهم، سواء تمت بهذا التاريخ أو ذاك.

مراجعة حقيقية
وفي ظل انعدام الأفق بأي أمل لرأب الصدع رغم كل المناشدات المتكررة والمخلصة من عامة الشعب وحتى من بعض رجال الدين أنفسهم، فقد يقتضي الأمر من المسيحيين مراجعة حقيقية لطبيعة التعامل مع المؤسسة الدينية، بحيث يكون لهم مشاركة فعلية في تقرير الأمور الخارجة عن نطاق الايمان العقائدي مثل تحديد مواعيد الأعياد. يجب على جماعة المؤمنين طرح أنفسهم كطرف مؤثر في الشؤون الكنسية التي تتصل بحياتهم المجتمعية.

ولا شك أن توحيد مواعيد الاحتفال بالاعياد من الأمور التي تشكل هاجس للكثيرين منهم. المسيحيون في الشرق والغرب مطالبون بوحي من الضمير والوجدان أن يعملوا بفاعلية وجد في كل الكنائس من أجل غاية توحيد المناسبات الدينية بحيث نحتفل بكل الاعياد المسيحية بوقت واحد في الشرق والغرب سواء تعلق الأمر بعيد القيامة أو عيد الميلاد أو غيرها. وأخيرا لا بد من التذكير بأن اخفاق طبقة الاكليروس في الوصول إلى حلول في هذه المسألة وغيرها من القضايا المجتمعية والتمسك بالحرف والشكل وإهمالهم المضمون والجوهر في بعض المواقف ساهم في ابتعاد المؤمنين عن الكنيسة وأعطى موجة الالحاد التي نشهدها وقودا اضافيا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *