لندن – جويس منصور
حملت راية الوطن في طيات قلبها منذ الطفولة، وأبحرت بها في رحلة أوصلتها إلى العالمية. هي الكاتبة والشاعرة الفرنكوفونية الملهمة، سيدة الأعمال الرائدة بامتياز، الإعلامية المثقفة اللامعة، الناشطة الاجتماعية الشغوفة، هي صلة الوصل بين المغترب والوطن، والأم المثالية الحنون، وبعد… لا لم نزين الكلام، وقد تنتهي الحروف ويصعب أن نرسم إطاراً لإنجازاتها ونجاحاتها…
هي كارن البستاني الكاتبة والإعلامية، اسم كبير لكبيرة من وطني لبنان.
- السيدة كارن البستاني مرحباً وشكراً من القلب لفرصة اللقاء هذا. من وسط الألم اللبناني وهذه الأزمة التي لا تعرف نهاية، والمستقبل المجهول، يصدح صوت كارن البستاني صارخاً ومطالباً بحق الشعب اللبناني بالعيش الكريم، وذلك يتم من خلال منابرعدة، ومؤتمرات وطنية، وتصريحات نارية. هل ما زلتِ في لبنان؟ وما هو الدور الذي تقومين به اليوم؟
– شكراً لكم. أكيد أنا موجودة في لبنان، ولم أرغب أن أغادره في هذه الظروف الصعبة. وأنا أصرخ من العمق اليوم رفضاً للقمع والظلم الجماعي الذي يتعرض له اللبنانيون. وأقول وقلتها سابقاً، إنّ من لا يصرخ وجعاً اليوم هو إمّا فاسد، وإمّا بدون كرامة، وإما دون ولاء للوطن.
اخترت البقاء لأن هذه المرحلة الدقيقة من حياة الوطن تتطلب العمل والتضحية، وفي هذا الصدد، تقام العديد من المباحثات ما بين أقطاب الجالية اللبنانية في الخارج، ونخبة من اللبنانيين في الداخل، بمن فيهم الشباب الثائر، لتوحيد الأهداف لدى جميع الأطراف.
وقد آلت هذه المباحثات واللقاءات إلى عقد “المؤتمر الوطني للإنقاذ”، في 25 تشرين الثاني 2020، في فتدق Le Royal، حضره ممثل عن غبطة البطريرك بشارة الراعي، وممثلون عن مختلف القوى الثورية، والنقابية، والمدنية، والاقتصادية، والقانونية، والاجتماعية… وكان هدف المؤتمر الوصول إلى دولة مدنية عادلة. وخلص المؤتمر إلى تبنّي توصيات من 26 بنداً، اهمّها تطبيق الدستور، واستقلالية القضاء، واستعادة الأموال المنهوبة.
وقد صدرت توصيات المؤتمر بعد استجماع اقتراحات المجموعات التي حضرت. كما تلت المؤتمر مجموعة من الخطوات:
- رفعت دعوة تدقيق جنائي قضائية ضد الوزارات، ومصرف لبنان، وجميع المصارف في لبنان.
- أقيمت حلقة حوارية قدّمت فيها حلول اقتصادية وسياسية للأزمة اللبنانية، في أوتيل Padova بتاريخ 21 كانون الأول 2020.
- إنشاء هيئة استشارية لهذا المؤتمر تكون مهمتها متابعة جميع النشاطات.
- إنشاء موقع إلكتروني يتضمن جميع المعلومات التابعة لنشاطات المؤتمر (الرابط: www.nrc-lb.c)
- إقامة مؤتمر صحفي في الثاني من نيسان 2021، لإطلاق الموقع الإلكتروني، وإطلاق خطة خاصة بمرفأ بيروت
- البيان الختامي على الرابط التالي: https://1drv.ms/b/s!AqzSh2GlMHJ2glH6OglPS9o6HTQ8?e=fxzzA6
- بالنسبة للمغتربين الذين لم يتواصلوا معك بعد، ويرغبون أن يكونوا جزءاً من مشروع إنقاذ لبنان، كيف يمكنهم ذلك؟
– الاغتراب اللبناني كان دوماً وما يزال السند للبنان، وهو جزء من هذه “الخطة الوطنية للإنقاذ”، التي ترنو إلى بناء لبنان الجديد.
ولمن يرغب بالتواصل معي، يمكنهم ذلك من خلال كل مواقع الاتصال الاجتماعية والصفحات والحسابات الخاصة بي:
Facebook, Messenger, Instagram, LinkedIn
email: karen@karenboustany.com
- عندما طلبنا المقابلة معك، كانت إجابتك “نعم أنا مستعدة لأي شيء من أجل وطني الحبيب لبنان، فأنا لدي شغف كبير للبنان”. أخبرينا عن هذا الشغف بلبنان؟ هل ما زلت تؤمنين بلبنان؟
– هذا الشغف الكبير للوطن أورثني إيّاه والدي. فمنذ نعومة الأظافر وأنا أسمع قصة أبي الذي تغرّب في سنّ مبكرة، مع أنّه أحب وطنه كثيراً، وآمن به. وقبل أن يغادر إلى أفريقيا وعد والدته أنه سيعود ويبني كنيسة في البلدة، وفعلاً هذا ما فعله. عاد في العام 1978 واستملك في الوطن، وأوفى بوعده لأمّه، وبنى كنيسة السيدة العجائبية في عين الريحانة.
نحن عائلة مؤلفة من خمسة أولاد، إخوتي ولدوا في أفريقيا، وأنا الوحيدة التي ولدت في لبنان. ربّما لذلك أشعر بانتماء كبير للبنان، انتماء يجري في عروقي، ويدفعني لأن أحمل رسالة لبنان إلى أقطار العالم.
منذ الطفولة اشتعلت شغفاً بحب الوطن والكتابة. كتبت أوّل شعر للبنان باللغة الفرنسية في السابعة من عمري، كنت حينها كلما ألتقتُ ورقة، أشرع في كتابة كلمات عليها، وكانت أمي تجمعها كلها، إلى أن أتى يوم، أصدرت فيه كتابي الأول، وهو كناية عن مجموعة قصائد فلسفية وجدانية باللغة الفرنسية تحت عنوان: “ما بعد الخطيئة”.
وقد كتبت ما معناه: ” يا لبنان أنا خائفة جداً عليك، وأريد أن أخبئك في الشجر، كي لا يؤذيك أحد، وتنتهي الحرب وتبقى أنت سالمًا”ً. عكست كتاباتي ما كان يجول في وجدان طفلة في السابعة من عمرها.
توقعت الأزمة قبل أن نصل إليها
- كيف ترين أفق الأزمة اللبنانية؟
– من يتابع المقالات التي كتبتها من سنة وأكثر، يعرف أنّي فعلاً كنت خائفة على لبنان، وأني توقعت أننا سنصل إلى ما نحن عليه اليوم. وهذه الأزمة هي وليدة تراكمات إهمال وفساد السلطة الحاكمة على مدى سنين عدة.
وضع لبنان يبكيني في كل يوم، ولكنني ما زلت أؤمن بلبنان، واليوم أكثر من الأمس. فالغنى الموجود في لبنان لا يمكن أن نجده في أي بلد آخر، فيه الطبيعة الجميلة، والمناخ المعتدل، والتاريخ العريق الذي يعود لـ6000 سنة، والتعايش المشترك، وحب العائلة، والكرم، والفن، والإبداع… وأهم قطاع تعليمي، وأهم قطاع استشفائي وطبي…
إنّ الطائفية والولاء للأحزاب السياسية قبل الوطن هي التي دمّرت لبنان. لا أريد أن أفهم خطأ، أنا لست ضد الأحزاب، ففي البلدان الديمقراطية تعمل الأحزاب لمصلحة الوطن وللإنماء، أمّا الأحزاب في لبنان فهي تعمل من أجل مصلحتها الخاصىة، ضاربة بعرض الحائط مصلحة الوطن، وتستغل المواطنين وتجيّشهم لمصلحتها.
في الآونة الأخيرة وبحكم اللقاءات اليومية التي أقوم بها مع العديد من الأطراف، أجد أشخاصاً بينهم من لا يملكون أي حس وطني، ولا تهمهم مصلحة لبنان، وما زال لديهم ولاء للأحزاب وحب للأنا والوصولية. للأسف هذا الشعب هو من أنتج هذه الطبقة الفاسدة، وطبعاً أنا لا أعمم.
أقول اليوم علينا أن نقوم بأمرين: أن نبدأ ببناء الإنسان أولاً وتعزيز الحس الوطني لديه، والاستقامة في ممارسة مواطنيته، ثمَّ المضي ببناء لبنان الجديد، كجزء من الشرق الأوسط الجديد، وكجزء من العالم الجديد، الآتي بعد الحرب الاقتصادية الثالثة وأزمة “كورونا”، وهذا العالم الجديد يتوقع أن يكون أقل مادية وأكثر إنسانية وروحية.
سر النجاح…
- كارن البستاني الاسم الكبير في وطننا لبنان، إذا نظرنا إلى حياتك نجدها مراحل مختلفة وغنية بالعطاءات الثقافية والإعلامية، وبالعمل الإنساني، ونجاحات لا تحصى ولا تعد، أبدعت في كل ما فعلت، ما هو سر النجاح هذا؟
– سرّ النجاح يشمل أموراً عدة، ثقافة الإعلامي، والتواضع، والعمل الدؤوب، والمثابرة، والإنسانية، وحب العطاء. والشغف للعمل وللابتكار والتجديد، إلى جانب الالتزام، وحسن إدارة الوقت والأولويات، والانفتاح على الآخر.
وأنا كبرت ضمن عائلة شجعتني على الغوص في الثقافة، فكنت منذ الطفولة أكتب، وأرسم، وأطالع، وأرقص باليه، وأعزف على البيانو. وبعد تخرجي من مدرسة القديس يوسف عينطورة، سافرت إلى فرنسا ونلت من جامعة السوربون إجازة في الأدب الفرنسي، وعدت الى لبنان ودرست في الجامعة الأميركية اللبنانية ونلت إجازتين واحدة في العلوم السياسية وأخرى في الإعلام. كل هذه الأمور صقلت شخصيتي، ومكنتني من مواجهة الحياة بثقة وإتقان.
- نلت جائزة أفضل إعلامية للعام 2016، وجائزة أهم برنامج تلفزيوني في العام 2017، وتم تكريمك نتيجة جهودك مع الاغتراب في العام2017. ونلت جائزة المرأة القائدة في دبي في العام 2020… برز اسمك في القائمة الدولية للشخصيات التي أحدثت ضجة كبيرة للعامين 2019 – 2020، إضافة إلى لائحة كبيرة من التكريمات والجوائز العربية والأجنبية…. مع كل هذه التقديرات والتكريمات، ماذا تقول كارن البستاني لكارن البستاني حين تجلس معها وحيدة بعيداً عن كل النجاحات والأضواء؟
– لقد سعيت دوماً في حياتي أن ألقي الضوء على نجاحات الآخرين، وفرحت لنجاح الآخرين، وأعتقد أني نجحت لهذا السبب. شعاري في الحياة هو إعمل الصح في حياتك وسيأتي النور على عملك ويظهره. وأنا عملت بإخلاص وشغف، وتعبت كثيراً، وقدمت الكثير في مجالات عدة، بدءاً بالكتابة، مروراً بالإعلام وبالبرامج التي ابتكرت وقدمت وأنتجت، وأيضاً ساهمت بإنشاء بعض الجمعيات ودعمتها في نشاطاتها. وقد تم تقديري في كل هذه المجالات في لبنان وخارجه.
طبعاً أنا سعيدة لأن هناك الكثير ممن يقدر العمل الناجح، وسعيدة لأن عملي أوصلني إلى العالمية، أقول اليوم أنا راضية عن نفسي، لكن أنا دائماً طموحة للأكثر. ولم أفتخر يوماً بما حققت كوني كارن البستاني، بل كوني امرأة لبنانية ناجحة.
لكن أنا دائماً طموحة للأكثر. ويبقى أكبر إنجاز أحلم أن أحققه هو أن يكون لدي دور فعّال في بناء لبنان الجديد.
وزيرة في حكومة لبنان الجديد
- هل يمكن أن نراك يوماً ما في منصب سياسي؟ كوزيرة الإعلام، أو الثقافة، أو الخارجية مثلاً.
– يمرّ لبنان الآن بمرحلة مصيرية دقيقة جداً، إن لم نتحرك جميعاً فسنخسر الوطن، وسنخسر الـ6000 سنة حضارة. وأنا أعمل بكل طاقتي، لأني شغوفة ببلدي، ولست أعمل بهدف الوصول، أو طمعاً بأي مركز. ولكن إذا طلب مني أن أكون في سدّة المسؤولية فأنا جاهزة لذلك، لأن هدفي هو إنقاذ لبنان أولاً. وينبغي أن نوضخ، أنا لست مستعدة أن أعمل مع السلطة السياسية الحالية، بل مع حكومة “لبنان الجديد” في حال أسندت إلي هذه المهمة.
“كتاب” و “أسماء من التاريخ”
- برنامجك “كتاب”الذي بدأته في العام 2009 على شاشة MTV، كان محطة بارزة في حياتك الإعلامية، استضفت فيه أكثر من 1800 كاتب، وهو رقم كبير. هذا البرنامج لاقى أصداءً إيجابية كبيرة في الأوساط الثقافية اللبنانية، العربية، والأجنبية، ولمع فيه اسمك كإعلامية. ماذا تخبرينا اليوم عن هذه المحطة؟
– مسيرتي الإعلامية بدأت قبل برنامج “كتاب” بسنوات في صحيفة L’orient le jour و Al-Balad حيث كنت أكتب مقالات نقدية سياسية وثقافية واجتماعية، لكن مسيرتي كمقدمة برامج بدأت مع برنامج “كتاب”. كنت حينها قد أصدرت كتابي الأول، وبدأت أعرَف في الوسط الثقافي، فتلقيت عرضاً من محطة ال MTV لتقديم برنامج ثقافي، عنوانه “كتاب” ومضمونه تقديم كتب.
وبدأنا بعد أسبوعين، ولاقى البرنامج رواجاً ونجاحاً كبيرين، وكنت أحضر واتعب كثيراً لأعطي مضموناً مميزاً أثناء حواري مع الكاتب، كنت في كل أسبوع أقدم ثلاثة كتب، وكنت أقرأ هذه الكتب قبيل تقديم الحلقة.
و”كتاب” بدأ بفقرة ثم تحول إلى برنامج، استضفت فيه الكثير من كبار الكتاب اللبنانيين والعالميين، بمن فيهم الكاتب اللبناني الفرنسي أمين معلوف، والعديد من الكتّاب والمشاهير الذين كتبوا كتباً… وهي خبرة أضافت إلي الكثير.
فيما بعد، ولأني أحب التجديد والابتكار، أضفت حلّة جديدة على البرنامج، وانطلقت بحلقات خاصة بالحقل الاجتماعي، تحت عنوان ” “Kitab Edition Speciale، قدمناها يوم السبت. فصرت أستقبل الكاتب مع ضيوف آخرين، ونقيم نقاشًا حول مواضيع اجتماعية، نفسية، ثقافية، مرتبطة بموضوع الكتاب.
ونتيجة لنجاح كتاب، صرت أقدّم “Le Salon du livre”، أكبر معرض للكتاب الفرنكوفوني، كل سنة في شهر تشرين الأول.
- لا يمكن أن نحاور كارن البستاني بدون المرور بـ”أسماء من التاريخ” برنامجك الذي عرف نجاحاً واسعاً، وقد استقبلت فيه العديد من الكبار والمشاهير اللبنانيين أو الذين هم من أصول لبنانية. ماذا تخبرينا عن هذا البرنامج؟ وأي شخصية تتمنى اليوم كارن البستاني أن تحاور؟
– أسماء من التاريخ بالنسبة لي بدأ برنامجاً تلفزيونياً، لكنه تحول إلى رسالة. وقد بدأته في العام 2012 بعد أن توفي والدي، أردت أن أكرّم ذكراه فهو كان مغترباً أيضاً. هذا البرنامج جزء لا يتجزأ مني، هو طفلي، أنا أتيت بالفكرة، وقررت إنتاج البرنامج بنفسي. وكان هدفي من هذا البرنامج تعزيز دور اللبناني المغترب بوطنه الأم وفي الخارج أيضاً، وإعادة الثقة للبنانيين المقيمين بلبنان، وتحفيزهم على النجاح والوصول في الحياة.
وكونت فريقاً من اللبنانيين، لأني دائماً أسعى لتأمين فرص عمل للبنانيين، وسافرنا وزرنا 46 بلدًا وحاورت أكثر من 500 ضيف. وأسماء من التاريخ ما زال مستمراً حتى اليوم، على إحدى أهم الشاشات العربية، وما زال يلاقي الكثير من الرواج والنجاح.
وبنيت الكثير من الصداقات مع المغتربين الذين حاورت، وهم لمسوا مصداقيتي في تكريمهم، إذ أني لم أطلب يوماً بدلاً مادياً من أحد منهم، بل كنا دوماً أنا وفريقي نسعى لتأمين من يرعى البرنامج، ويبقى الضيف مكرماً محترماً.
حاورت في “أسماء من التاريخ” شخصيات لبنانية أو من أصول لبنانية، تركت بصمة في بلاد الاغتراب، أو صنعت فرقاً في ميادين وقطاعات مختلفة. وأذكر منهم رئيس جمهورية البرازيل السابق ميشال تامر، مدير وكالة “ناسا” السابق د. شارل العشي، المدير العالمي لشركتي نيسان ورينو السابق كارلوس غصن، وغيرهم… من هنا تمكّنت من تأمين قوة داعمة من المغتربين للبنان.
فيروز أرزة من أرزاتنا
– أما بالنسبة لسؤالك عن أي شخصية أتمنى أن أحاور اليوم، أقول السيدة فيروز. فيروز هي أيقونة لبنان، واسم لبنان الذي نفتخر به، هي أرزة من أرزاتنا، وهي رسالة تتجاوز المكان والزمان.
كنت دوماً أشعر أن عائلة السيدة فيروز قد خبأتها كجوهرة ثمينة وحجبتها عن أنظارنا. ولكن حين رأيت صورتها مع الرئيس ماكرون، وكانت تبتسم، أيقنت أنها ربّما هي من اتخذ قرار الابتعاد، بسبب تغير الأخلاقيات وقيم التعامل الإنسانية في أيامنا هذه، والتي تخلتف كل الاختلاف عما اختبرته فيروز في الخمسينات والستينات، مرحلة لبنان الذهبية.
وأحب أن أحاور أيضاّ أوبرا وينفري، لأنها حوّلت البؤس والحزن اللذين اختبرتهما في حياتها إلى قصة نجاح وإبداع. أرغب أن أحاورها بعمق، هي التي حاورت العديد من الناس، وأود أن أستخرج منها إجابات لم تكن تتوقع أن تقولها يوماً. أنا معجبة بها وأحترمها لأنها استحدثت أمراً جديداً في مسيرتها.
- كارن البستاني تركت فراغا على الشاشة اللبنانية التي تفتقر إلى برامج ثقافية على مستوى ما قدمت أنت، هل يمكننا أن نعد المشاهدين ببرناج تلفزيوني جديد؟
ربما لم يكن لدي برامج على الشاشات اللبنانيىة منذ العام 2018، لكني موجودة ب “أسماء من التاريخ” على شاشة عربية. وقد كنت بصدد كتابة برنامج جديد من إنتاجي، آملة أن نشاهده قريباّ على إحدى الشاشات البنانية.
- أنت شاعرة وكاتبة وإعلامية فرنكوفونية لك اسمك البارز في الوسط الثقافي، كيف ترين الفرنكوفونية اليوم في لبنان، وفي المستقبل القريب، وأي دور ثقافي واجتماعي تلعبه في تعزيز دور لبنان ثقافياً؟
– برأيي الفرنكوفونية لعبت دوراً كبيراً بتاريخ لبنان المعاصر، وفي ثقافته ومؤسساته التعليمية من مدارس وجامعات، والتي هي من أهم المؤسسات في الشرق الأوسط. فغالبية اللبنانيين يتكلمون الفرنسية، لأنّهم يدرسونها كلغة في المناهج التعليمية إلى جانب العربية والإنغليزية، فهي جزء أساسي من ثقافتنا.
لا شك أنّه في مطلع ثمانينات القرن الماضي بدأت اللغة الإنغليزية بالتقدم على الفرنيسة، وهي لغة الأعمال، وهي لغة محكية أكثر من الفرنسية، وأنا لا أعتقد أنه يمكنها أن تلغي الفرنكوفونية.
وأيضاً لا ننسى أن فرنسا هي الدولة الوحيدة التي اهتمت بلبنان وقدمت المبادرة بعد إنفجار 4 آب. وأكثر المساعدات التي أتت بعد انفجار 4 آب كانت للمدارس الفرنكوفونية. فالدول الفرنكوفونية الكبيرة تحب أن تعزز مواقعها في لبنان.
وبعد أن تنتهي هذه الأزمة سنعود لتعزيز الفرنكوفونية، فتاريخ اللغة الفرنسية ومجدها في لبنان لا يمكن إلغاؤه.
شركتي مستمرة رغم الأزمة
- شركتك Eyestrategy Business Communication هي أيضاً قصة نجاح لا بد من الوقوف عندها. ماذا تخبرنا كارن البستاني عن أعمال شركتها، والدور الإنمائي الذي تلعبه، ومشاريعها القريبة والبعيدة؟
– بدأت مسيرتي المهنية في عدد من شركات الإعلانات الكبيرة، واكتسبت العديد من الخبرات، وتقدمت في عملي، إلى أن قررت في العام 2005 وكنت ما زلت في سن صغيرة، أن أبدأ بشركتي الخاصة. لم ألق تشجيعاً في ذلك الوقت، لأنّ وضع البلاد بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم يكن مؤاتياً، لكني لم أتردد، وأسست شركتي، ونجحت، وما زالت الشركة مستمرة إلى اليوم.
وكنت دوماً لدي نزعة إلى القيام بأمور كبيرة بنفسي، لأنّي أؤمن أنّه على المرأة أن تحقق نفسها وتكون رائدة. واليوم بعد 16 سنة ورغم أن أكبر الشركات قد أقفلت، أنا لم أقفل شركتي، وأفتخر بأنني أنتج برنامج “أسماء من التاريخ”، وبرامج أخرى. صح الوضع صعب جدا لكن نحن مستمرين. وشركتي تقوم بإنتاج وتصميم إعلانات، وأفلام وثائقية، وبرامج ومسلسلات للبنان وللبلدان العربية. وطبعاً “كورونا” عرقلت مشاريعنا حالياً، ونحن بانتظار أن تنتهي المرحلة لنباشر العمل مجددًا.
كارن البستاني والعمل الاجتماعي
- شاركت بتأسيس بعض الجمعيات، وأنت سفيرة جمعية أم النور للتأهيل والوقاية من المخدرات، بالتأكيد وجودك أضاف المزيد من الانتشار العالمي لهذه الجمعية المرموقة. ماذا تخبرنا كارن البستاني عن العمل الاجتماعي.
– تعلمت العمل الاجتماعي من والديّ، اللذين لم يدعا فرصة تمرّ دون مساعدة الآخرين، وهما من مؤسسي جمعية “سيزوبل”. وانا بدأت بسن الـ18 مع Leo، وساعدت “سيزوبل” أيضاً، وعندما توفي أبي كتبت كتاباً عنه، وكل أرباحه قدمتها ل”سيزوبل”.
وأسست مع د. جميل زغيب ALS Lebanon ، أول “جمعية لتصلب الجانب الضموري” في العالم العربي، وتوجهنا من لبنان إلى العالم. وصورنا فيلماً عن الموضوع، تحت عنوان: “Jamil, a flying soul” عرض في السينما، وفي مهرجانات سينمائية، وهو الآن على اليوتيوب. وبنيت الكثير من الصداقات مع أشخاص يعانون من هذه الحالة، وللأسف توفي الآن البعض منهم. كانت مرحلة جميلة جداً من حياتي، وأفتخر بها.
في العام 2019 أصبحت سفيرة أم النور في العالم. وهي مؤسسة اجتماعية أفتخر بها، وبالعمل معها. ودورها فعّال جداً اليوم، فمشاكل الإدمان تزداد في كل يوم، نتيجة الوضع الراهن في لبنان، وهم منظمون جداً ويتمتعون بمهنية عالية. وأنا دوري الإضاءة على عمل أم النور مع المغترب اللبناني الذي هو جزء من الوطن.
وفي أيلول 2019 أسست جمعيتي الخاصة Lebanese International Network -LINK ، والهدف منها تشجيع المستثمرين العالميين على الاستثمار في لبنان، والقيام بمشاريع إنمائية. والآن خلال هذه الثورة تحول عمل الجمعية إلى تأمين مساعدات عينينة من أدوية وأغذية… للعائلات الأكثر فقراً في لبنان.
وجمعية LINK تهتم أيضاً بتأمين فرص عمل للبنانيين، ولدينا صفحة لتأمين الوظائف على Facebook اسمها Link Lebanon ونحن منذ تشرين الأول إلى اليوم أمّنا أكثر من 800 فرصة عمل داخل لبنان أو في الخارج، وأيضاً فرصاً للسفر والعمل في الخارج. لكن نحن نشجع اللبنانيين دوماً على البقاء في لبنان.
كيف تمضي كارن البستاني نهارها؟
- كارن البستاني كيف تمضين نهارك وما هي المحطات الأبرز خلاله؟
– حياتي قبل الثورة و”كورونا” كانت شيئاً والآن تغير الوضع كلياً. كنت أسافر كثيراً بداعي العمل. إضافة إلى السفر للاستجمام والسياحة. لكن بعد “كورونا” أنا أمضي وقتي كله في لبنان. أبدأ نهاري أولاً برياضة المشي في الطبيعة، ثم قراءة أي نوع من القراءات، سياسة، ثقافة، اجتماع، وأيضاً في نهاري هنالك وقت مخصص للكتابة، وغالباً ما يكون ليلاً. وطبعاً مواعيد العمل لها قسم كبير من نهاري. وأخصص وقتاً نوعياً لابني، لأني أؤمن أن من يربي يجد.
وأنا إنسانة اجتماعية وأحب الناس والعائلة، وأحب أن أقيم عزائم للمقربين والأصدقاء، وأقوم بتحضير الطعام بنفسي. وأحب أيضاً الاهتمام بالأناقة والجمال، وأفضل الجمال الطبيعي الحقيقي، وهو الذي يأتي من الداخل إلى الخارج. وأحب السينما والأفلام التي نتعلم منها أموراً كثيرة.
لو كان نهاري أربعين ساعة فأنا سأعمل فيها كلها، لأن داخلي طاقة كبيرة للعطاء، لا يمكن لأي شيء أن يوقفها. وأنا إنسانة طموحة ومتفائلة لأبعد الدرجات، وأؤمن أن العمل الصادق لا بدّ أن يحدث فرقاً في المجتمع والحياة.
ماذا تقول كارن البستاني لشباب لبنان؟
- مثلت لبنان في مؤتمر”شباب العالم المتحد” في مدريد الذي جمع 32 دولة، في عامين متتاليين 2019 – 2020، حيث ألقيت كلمتك تحت عنوان “قيم العالم”، وتطرقت إلى كيفية تغيّر قيّم الشباب ومعتقداتهم… ماذا تقول كارن البستاني اليوم لشباب لبنان وهم غد لبنان، ويشعرون اليوم بالإحباط، وأنهم يعيشون في عزلة عن العالم، بسبب تردي الأوضاع الإقتصادية والسياسية، وقد زادت أزمة “كورونا” هذا الأمر سوءًا، ماذا تقول لهم كارن البستاني؟
– لا شك أن شباب لبنان يمر بأزمة إحباط كبيرة، أفهم أن يفكروا بالهجرة، ولكن أشجعهم أيضاً على البقاء، لا بد من أمور يمكنهم القيام بها في لبنان، حتى خلال هذه الأزمة. وأقول لشبابنا اليوم إذا أردتم السفر سافروا لكن عودوا مع خبراتكم ولا تنسوا الوطن، هو بحاجة إليكم فأنتم الوطن. ولبنان لم يقصر معنا كلنا بشيء لا بطقسه، ولا بجماله، ولا بثقافته، ولا بمنتوجاته، ولا بالحياة الجميلة، والحياة العائلية، والقيم.
خلال سفراتي تعرفت على الكثير من اللبنانيين خارج لبنان ورأيت الدمعة في عيونهم لأنهم يشعرون بالغربة، ومهما نجحوا في الحياة، يهمهم دوما أن يعرف وطنهم بنجاحم. فيا شباب لبنان، لا تنسوا أن لبنان أعطاكم الكثير، وهو قادر أن يعطيكم المزيد.
بالنسبة للأهل ونجاح الأبناء
- حلم كل أهل هو أن ينجح أولادهم في الحياة. أي دور لعبه أهلك في حياتك، وبماذا تنصحين الأهل الذين يتمنون دائماً النجاح لأولادهم؟
ترافقت الإجابة عن هذا السؤال مع غصة في صوت كارن البستاني ودموع في عينينها…
– حين أذكر أهلي لا يمكنني إلا أن أدمع. فأنا لو خيروني أن أعود إلى الحياة مجدداً، فلن أختارغير أهلي. كم أشتاق إليهما اليوم، وأشعر بحاجة لوجودهما إلى جانبي. والداي علماني أن أكون إنسانة نزيهة وصادقة، تعلمت منهما التواضع، وحب الآخر، والمساعدة الاجتماعية، وحب الوطن والوطنية. وهما فعلاً عاشا كل هذه الأمور في حياتهما.
أقول للأهل إن أسمىَ دور في الوجود لأي إنسان هو أن يكون أماً أو أباً، وليس هناك أهم من هذا الدور. ولو مهما نجحوا في الحياة وفشلوا بهذا الدور، هم لم ينجحوا بشيء. ليس أعظم من أن نستثمر في مشروع بناء أنسان. وهذا يكون من خلال الوقت النوعي الذي نمضيه مع أولادنا، من خلال الإهتمام، والحب غير المشروط، والقبول، والتفاهم، والتشجيع، وتعزيز الثقة بالنفس لدى الأولاد. ومحبة وحنان الأهل إذا فقدت لا يمكن تعويضها، وقد تؤثر جداً على صحة الولد النفسية.
وللأم
- أيام قليلة تفصلنا عن عيد الأم، وأي عيد للأم اللبنانية هذه السنة! ماذا تقولين اليوم لها من على منبرنا؟
– الأم هي منبع الحياة والإنسان. الأم هي أساس العائلة والمجتمع والوطن. “الأم بتلم” كما نقول، الأم لها قدرة على بناء العائلة، أو على تدميرها.
ربما بعض الأمهات اللبنانيات قد ابتعدن عن قيم الأمومة، بسبب الانشغال والأعمال، فسلمن مهمة تربية أولادهن للخادمات. لكن لا يمكن لأحد أن يأخذ مكان الأم. أقول للأمهات إن لم تعط إبنك الحب والإهتمام، هذا سيؤثر على شخصيته في المستقبل، سوف يعاني، وأنت ستعانين معه. أنا أشجع المرأة على العمل وتحقيق الذات، وأشجعها أيضاً على تحديد الأولويات في حياتها، والأمومة هي أهم الأولويات وأسماها.
أقول للأم أنت موطن عائلتك، وأنت من يزرع بأولادك روح الوطنية وحب الوطن.. ولكل أم لبنانية خسرت ولداً في انفجار أو بسبب أحداث لبنان أقول: “أنت بطلة” وأحيي كل أم تضحي من أجل أبنائها. وأحيي كل أم تزرع القيم والمبادئ وروح الوطنية في قلب أولادها.
- هل من كلمة أخيرة؟
– ختاماً أقول: إنّ حل أزمة لبنان في أيدينا نحن الشعب الحرّ المستقل. ليس لدينا شيء نخسره، كلنا نغرق لكن بيننا من يتقن السباحة. ورغم فظاعة ما نمر به، الأمل موجود، ومن أراد أن يرى التغيير يجب أن يعمل لأجله. لذلك أقول للجميع تحركوا، فالوقت الآن هو للعمل، لا تقبعوا في منازلكم بانتظار أن يأتي الحل من الخارج. علينا أن نتكاتف، لأن لبنان هو وطننا ويستحق تضحياتنا وجهودنا.